عبث الهجرة إلى الشمال

الواقع الموضوعي هو أن الأغلبية العظمى من بلدان العالم المعاصر وحكوماته لا تشجع الهجرة المكثقة لأراضيها. أيضا في معظمها تتصاعد ثقافة استنكار ونفور من المهاجرين كلما زادت أعدادهم أو وتيرة قدومهم. أيضا في معظم هذه البلدان لا تمانع الحكومات المحافظة والحركات الشعبوية إلقاء اللوم على المهاجرين في حالات التوترات السياسية والاقتصادية، وفي حالات كثيرة تحصل ترتيبات حكومية تحاول رفع كلفة الإقامة والمعيشة على أولئك المهاجرين وجعل استمرار بقائهم أمرا صعبا ومرهقا لهم عموما.… More

ملاحظات زائر لكوبا

أعترف أن زيارتي لكوبا، والتي راودتني منذ سنوات، كانت لأغراض أيدولوجية/مذهبية في أصلها. صحيح أني أحببت أيضا الاستمتاع بمشاهدة جوانبها المتميزة وتشرب شوارعها ومبانيها وجمال أرضها وأهلها، كما كنت سعيد حظٍّ بمعية عزيزة وقريبة لي فيها، وأنا الغريب كثيرا عليها، إلا أن مصدر استثماري للطاقة والزمن والموارد من أجل هذه تلك الزيارة هو أني أردت لها أن تكون رحلة تعليمية لا ترفيهية.

أردت أن أرى بعينيّ بلدا بنظام اشتراكي واضح المعالم والإنجازات في ذلك المجال، وذلك لأني، كشخص أنتمي مذهبيا لرحاب الاشتراكية بدون تردد، أردت أن أرى بصيصا منها على أرض الواقع.… More

ازدهار القطاع الخدمي: واحة أم سراب؟


مجموعة مقدّرة من بلدان افريقيا اليوم تشهد نموا اقتصاديا ملحوظا بسبب انتعاش قطاع الخدمات فيها. أعنى أن هنالك ارتفاعا مشهودا في معدلات نموها السنوية، لدرجة أن بعضها صارت تتحلى بألقاب “معجزات نمو” شبيهة، لحد ما، بتلك الألقاب التي حاولت وصف الازدهار الاقتصادي الكبير الذي مرت به النمور الآسيوية في فترات تحولاتها الكبيرة في العقود الماضية.

القطاع الخدمي الذي نعنيه هنا هو ذلك الذي يحوي خدمات الاتصالات، وتجارة السلع المستوردة والكماليات، والخدمات المصرفية، والأمنية الخاصة، والخدمات الإعلامية والبرمجية (إعلانات وتصميم)، والسوق العقاري، وشغل المنظمات الخيرية، وطبعا خدمات الترفيه والمطاعم والضيافة.… More

حول صحة التاريخ الحضاري لشعوب السودان

شعوب السودان فعلا لها تاريخ حضاري عتيد، ومؤشرات هذا الأمر ماثلة بيننا حاليا لمن يراها (بجانب التاريخ المدوّن والمرصود)، لكنّا عادة ما نقرأ هذه المؤشرات قراءة عكسية، ولنا في ذلك بعض العذر لأنها ليست “براهين مباشرة” إنما “براهين مشفّرة”، لا تُقرأ إلا عبر شاشة (نظرية) تاريخية.
 
نحن حاليا، في السودان، في أسفل سلّم التحضّر الاجتماعي البشري [والتحضّر غير التمدّن، وبينهما تواصل، وهذا موضوع آخر]، وربما لا يفصل بيننا وبين القاع الحضاري سوى خطوات، ومعظم مجتمعات العالم إما مثلنا أو أمامنا، لكن من هم خلفنا قلة لا تكاد تُذكر.
More

جون قرنق يخاطب أسرى الحرب

بمدينة ييي، في العام 1997، وأثناء الحرب الأهلية التي سبقت اتفاقية السلام الشاملة، التقى الدكتور جون قرنق بأسرى الحركة الشعبية/الجيش الشعبي لتحرير السودان (SPLM/A).. بلغة الكلام السودانية العامة، وببساطة جزلة ووضوح فائق، طمأن الدكتور الأسرى على سلامتهم (وهم بضع مائة)، وشرع في تبيين مفهوم السودان الجديد وفلسفة الحركة الشعبية لهم، وعيا منه بأن هؤلاء السودانيين إخوته، وما كانوا ليقاتلوه إلا بإجبار أو لسوء الفهم..… More

مانديلا: القصة الواقعية أجدى من الأسطورة

Nelson Mandela

ليست المشكلة أن يبالغ البعض في تعظيم مانديلا، فحب الناس مذاهب ولا يجوز أن يتسلط بعضنا على مشاعر البعض.. هذا علاوة على أن مانديلا فعلا إنسان جدير بالاحترام، وهو عموما نموذج طيب للمناضل الافريقي الملتزم.. لكن المشكلة هي الاستمرار في الترويج لنسخة غير صحيحة من التاريخ، فقط من أجل إبراز مانديلا كأسطورة فائقة، وكقصة نجاح نضالي كاملة مكتملة.

من المهم توضيح الآتي:

(1)
مانديلا لم يكن قائدا للمقاومة السلمية في أزانيا (جنوب افريقيا)، ولم يكن هو مؤسس المؤتمر الوطني الافريقي..… More

عن الدين والوكالة الإنسانية

كيف يعيش الإنسان الدين؟ أو للتدقيق، كيف يعيش تعاليمه في واقعه الفردي والمجتمعي؟

الإجابة المباشرة هي عن طريق فهمه واستنطاقه الخاص لمصادر هذا الدين (بتنوعها)؛ بمعنى أن الوكالة الإنسانية ليست مرفوعة، ولن تكون يوما مرفوعة، عن الدين في تنزلاته لأرضنا هذه.. هذا فحوى ما بلـّغه الأستاذ محمود محمد طه بقوله إن “العبرة ليست بالنصوص، إنما بفهم النصوص” وهو أيضا ما أشار إليه الإمام علي بن أبي طالب حين قال عن القرآن إنه “لا ينطق بلسان ولا بد له من ترجمان، وإنما ينطق عنه الرجال”.… More

الحزام السوداني.. نحو افريقيا

لم يتسن لي الاطلاع على كتاب “الحزام السوداني” الصادر عام 2005 عن مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي، لصاحبه عبدالهادي الصديق، إلا أواخر العام الماضي، وبلغني بعدها بقليل خبر انتقال الكاتب عن دنيانا، فحزنت لكوني لم أسمع بمفكر معاصر مثله إلا بعد وفاته.. لا علم لي أيضا بحجم ما أثاره الكتاب في الساحة الثقافية السودانية، بيد ان عدم لمسي لهذه الإثارة، وسط الساحات التي أتابعها، لمؤشر لأن الكتاب لم ينل ما يستحقه من الحفاوة اليوم.… More