قامت شركة ميتا (والتي تملك منصتي فيسبوك وانستغرام)، مؤخرا، بإلغاء حساب لإحدى القنوات الافريقية المهمة – أفريكان ستريم (African Stream) – وهي قناة افروعمومية قدمت وتقدم الكثير من الأخبار والتحليلات حول افريقيا، والشتات الافريقي، بعيون افريقية/افروعمومية، ويقوم على تلك القناة شباب افريقي تصدى لهذه المهمة بمهارات إعلامية وتكنولوجية ملحوظة وبجسارة في تقديم مادة مختلفة. كذلك، في نفس الوقت، قامت شركة ألفابِت (قوقل سابقا، والتي تملك منصة يوتيوب) بإلغاء حساب نفس القناة، والذي كان مليئا بفديوهات ووثائقيات ولقاءات متنوعة في الشأن الافريقي.
بين ليلة وضحاها فقدنا كل تلك المادة الافريقية/الافروعمومية الغنية من المنصات التي يتابعها جملة مستخدمي الانترنت في افريقيا وحول العالم (ما عدا الصين وبلدان أخرى معدودة). كما فقدنا تغذية كانت مستمرة بالمادة الإعلامية التي تطرح القضايا وتحلل الأحداث من وجهة نظر افريقية.
واجهت افريكان ستريم هجوما قبل ذلك، من جهات متعددة، واتهامات بأنها تقدم معلومات زائفة وتروّج لأجندة تتخفى وراء القناة، حتى ذكرها وزير الخارجية الامريكي مؤخرا، في إحدى خطاباته، وقال إن افريكان ستريم واجهة لشبكة آر تي (RT) الإعلامية التابعة للحكومة الروسية بينما تزعم انها تقدم مادة ومنظور افريقي/افروعمومي. [ولعل أكثر الأشياء التي أثارت حفيظة الامريكان تقارير القناة حول الدور السلبي والعنيف للحملة الأمريكية العسكرية في الصومال، تحت دعاوى النوايا الحسنة والمهام النبيلة، كعادة الامبراطورية الامريكية]. ورغم أن أصحاب القناة كانوا مثابرين في الرد الموضوعي والمسنود بالبراهين على الهجمات المتتالية ضدها – والتي وصلت لمقالات نشرتها إذاعة صوت أمريكا وجهات أخرى مشابهة – إلا أنها لم تُمهَل الكثير من الوقت بعد خطاب وزير الخارجية المذكور. بقي موقع افريكان ستريم فاعلا، وقامت فيه بمواصلة الرد على تلك التهم، وتوضيح أنها لا تتلقى أي أموال من جهات حكومية, وأنها دائما كانت وما زالت تمارس الصحافة وفق مبادئ استقصاء المعلومة وتقديم الإثباتات لأي مزاعم توردها (وبالفعل وضّحت ذلك جيدا في ردودها على كثير من الاتهامات السابقة بخصوص بعض تقاريرها الصحفية، ونشرتها بصورة مفصلة – أي الردود – لاطّلاع الجميع).
وبدون الخوض في كونها مشكلة حقيقية أن تثير قناة افريقية صغيرة نسبيا كل هذا الخوف، والهجوم الشرس، من عمالقة الإعلام وصناعته في الغرب، فالمسألة ليست جديدة. نفس الشيء حصل قبل فترة لقناة “تيليسور” (TeleSur) الامريكية الجنوبية – خاصة القسم الانكليزي من القناة – والتي بدأت صفحاتها في فيسبوك تجذب الكثير من اهتمام الناس لأنها تقدم تقارير إعلامية وتحليلات صحفية مختلفة جدا على منصات الإعلام الكبيرة المعتادة–الغربية والقريبة منها، فتم سحب حساب القناة (وإعادته لاحقا بعد حملة إعلامية كبيرة ضد ذلك العمل)، ولعل ما كان يميّز تيليسور انها شبكة إعلامية رسمية، ذات وجود سابق وملموس خارج الانترنت، وتعود ملكيتها لعدة دول من امريكا اللاتينية. كذلك، تم مؤخرا إلغاء حساب صفحة “معهد هامبتون” اليسارية، بكل محتواها، بعد 11 سنة من الوجود في فيسبوك، وبدون أي تفسيرات. وليس بعيدا علينا كذلك، هذه الأيام، محاولات فيسبوك المستمرة في قمع التعبير الحر حول جرائم إسرائيل في غزة.
وعموما، فإن تظاهر المنصات الكبيرة – التي تسمى بالإعلام البديل، والتي تملكها شركات غربية – بامتثالها لمبادئ حرية التعبير والحياد في تقديم الخدمات، استمر عبئا ثقيلا متزايدا عليها، كما يبدو أنه أصبح عبئا يمكن التملص منه بدون عواقب كبيرة، مرة تلو الأخرى، الأمر الذي يقلل شعورها بالحاجة للاستمرار في ذلك التظاهر. بل إنها عبر الضغوط التي مورست عليها – من جهات لها تأثير عليها – بخصوص الدور في حماية المحتوى من الزيف، صارت تستخدم تلك الراية لممارسة قمع الرأي المختلف بينما الكثير من حملات وصفحات الأخبار الزائفة مستمرة.
ومثل هذه الأحداث تعيدنا لتساؤلنا القديم، المتجدد، حول أهمية الاستقلال التكنولوجي عن مراكز السلطة العالمية الحالية؛ هذه المرة حول الاستقلال التكنولوجي في منصات الاتصال والتعبير. ما دامت هذه المنصات مملوكة كليّا لجهات خارجة عن مدى تأثيرنا أو قدرتنا على استبدالها. وحتى يكون لدينا تأثير عليها، ينبغي أن تكون لدينا قدرة على استبدالها؛ وإذا كانت لدينا تلك القدرة، فلِمَ لا نستبدلها فحسب؟
على العموم، زادت مؤخرا أسباب نظرتنا لهذه المنصات بعين الريب والاستنكار، والزهد فيها إجمالا، مع زيادة التفكير الجاد في إمكانيات بدائل لها.
وللحديث شجون.