ما جرى في انتخابات الولايات المتحدة 2024 جزء من موجة عالمية، يمكن القول إنها بدأت في منتصف العقد الماضي، وهي حالة وصفناها بأنها عودة للفاشية في المشهد العالمي، بسبب فشل قوى الرأسمالية (اللبرالية والنيولبرالية) مجددا في تحقيق مزاعمها الواسعة، وانكشاف نفاقها وازدواج معاييرها، وانهيار موازناتها العولمية المستحيلة.
في 24 يونيو 2016 كتبنا: ‘الفاشية بدأت في العودة من جديد منذ فترة، ليس في بريطانيا وأوروبا فقط وإنما في جميع بلدان الكوكب ذات الاقتصاد الصناعي المتقدم. وما الفاشية إلا التحام رأس المال القح مع آلة الدولة الحديثة لحيازة السلطة الشاملة، مع تغييب الشعب وطموحاته وحرياته (ولكن مع خداعه باسم الشوفينية الوطنية، المصحوبة بكراهية الآخر المغاير والتوجس منه ولومه على كل ما يمكن أن يلام به) وكذلك تغييب قيم الحكم الدستوري والديمقراطي (مع الاستعانة بصوت الأغلبية الميكانيكية).’[1]
وفي 26 يوليو 2016، كتبنا كذلك (باللغة الانكليزية) أن السنوات القادمة ستمتحن البشرية في كل شيء صارت تتعامل معه كمعطى مسلّم به، وأن جميع القيم المتعلقة بحقوق الإنسان والتضامن والعدالة والتعاطف والاحتكام للقوانين المنصفة، وكل المعرفة والتجارب المتراكمة المتعلقة باحترام العمليات العلمية والقوى الخلّاقة والأفكار المتمعّنة في بواطن الأمور، ستتعرض للمساءلة والهجوم الثقيل؛ وأن كل هذه المكتسبات الإيجابية من المخاضات التاريخية البشرية الكبيرة (الصعبة والمتناقضة) لن تنهض للدفاع عن نفسها بنفسها، ولن تصمد لوقت طويل أمام الهجمات، ولسوف تتساقط، ما لم يتم الدفاع عنها بقوة، بواسطة المثمّنين لها، والدفع بها للأفضل دفعا جادا:
‘In the coming years, humanity all over the world will not afford to take anything for granted. All the values of human rights, solidarity, justice, empathy, and love, and all the cumulative knowledge and experiences of creative innovation, scientific inquiry, sound reasoning, deep reflection, and rule of law, will be questioned and attacked, heavily, by word and deed. These things will not stand for long on their own against the attacks, and they will eventually fall. times are foreseen to get darker than they are today. Good values and cumulative, ongoing projects of human progress will need to be defended, vigorously. Their defense will require dedication, not part-time activism or career politics….’[2]
وموجة كهذه، بعالميتها هذه، لا بد وأن يكون لها تركيز عالي في امبراطورية هذا الزمان. وفق ذلك فما حدث في الولايات المتحدة مؤخرا ليس مستغربا، وما حدث قبل 8 سنوات أيضا غير مستغرب (لا يعني ذلك أنها كانت السناريوهات الوحيدة المتوقعة، إنما هي بعض تجليات موجة عامة). ثم إن تلك الموجة لها نتائج، نتحمّل نحن، شعوب الجنوب، حصة كبيرة جدا منها، ومآسي لا تُحصى. لذلك لدينا مصلحة قوية في مناهضة تلك الموجة، وأهم أدواتنا في تلك المناهضة: “التفكير كوكبيا والممارسة محليا”–التركيز في ورقنا بالقدر المطلوب مع اليقظة المطلوبة تجاه البيئة المحيطة. ومن يدري، لعلنا نشهد عهد احتضار النظام المهيمن القديم، وتتولّد لدينا الآن الفرص لإحلاله بنظام جديد (أو نظم جديدة، أو نظام جديد يستوعب نظما متعددة) أرحم وأوسع، يبدأ يتخلّق هو كذلك الآن، ويأتي معه مخاض عسير ومكلّف مثلما هو حال كل مخاض. لعلنا في إحدى اللحظات التاريخية الحرجة، التي لخصها قرامشي بأن ‘القديم يحتضر، والجديد لم يولد بعد—عصر الشياطين.’