من التخصص نحو التكامل

في حياتنا المعاصرة، الجامعة، كبشر، (هذه الحقبة التاريخية، وهذا الكوكب)، هناك مجالان يحكمان نظم واقعنا المحسوس:
– التكنولوجيا، وهي قاطرة حياتنا المعاصرة
– والاقتصاد، وهو لغة السلطة في حياتنا المعاصرة
[وحين نقول التكنولوجيا فنحن نضم  لها العلوم الضاخة لها، أي “التكنوعلوم”، وحين نقول الاقتصاد فنحن نضم له محركات القرار الاقتصادي، أي “الاقتصاد السياسي”]

ونحن في مأزق حقيقي الآن. نحن بحاجة لأن نقوم بإحداث تحولات عميقة وواسعة في نظمنا الاجتماعية والإيكولوجية (بما يشمل التكنولوجيا والاقتصاد، كأولوية)، فقط لكي نتجنب كوارث قريبة ستعصف بحياتنا أجمعين. أما إذا أردنا أن نتجنب تلك الكوارث وأن نرفد كذلك سبل ازدهار وتقدم كبير في المستقبل المفتوح، فسنحتاج لإحداث تحولات أعمق وأوسع.

وهذه التحولات يصعب أن نلتمسها في المجالين الحاكمين الآن (التكنولوجيا والاقتصاد) لوحدهما، فهما لا يملكان توفير التغيير لنا من تلقاء نفسيهما، أي عبر نظمهما ومساراتهما التلقائية المشتغلة حاليا. التحولات المطلوبة يجب أن تطالهما لكن ليس من داخلهما، إجمالا. نحتاج لاستدعاء عوامل أخرى، من مواهبنا وقرائحنا كبشر، لإحداث تلك التحولات. يمكن للاختصار أن نقول إننا بحاجة لتحولات أخلاقية واسعة، ويمكن للإسهاب أن نقول إننا بحاجة لرفد التغيير عبر مجالات السعي البشري والمعرفة البشرية الأخرى–كالإنسانيات وعلوم الاجتماع (حسب التصنيفات الأكاديمية المعاصرة)، وطبعا المذاهب والمناهج ذات التجليات غير القابلة للتصنيفات أعلاه (خاصة التصنيف الأكاديمي)، كالمدارس الأخلاقية والثقافية والحياتية الواسعة (أو الأديان والثقافات والروحانيات، وغيرها من المسميات التي قد تروق للبعض أكثر من الأديان).

هكذا، وبرغم الأهمية المركزية للتكنولوجيا والاقتصاد لواقعنا، كما أكّدنا، تقوم أهمية المجالات التي لا تنضوي تحتهما، وأهمية السعي والتطوير فيها.

لكن، وعبر نظرة عمومية وتفصيلية معا: كيف يمكن للساعين في تلك المجالات الأخرى أن يستوعبوا ما هو الذي يسعون لأجله، وكيف، ووفق أي منهجيات مناسبة لسياق حياتنا المعاصرة ولطموحاتنا، إذا لم يكن لديهم إلمام كاف بالشروط التي تشكّل هذا السياق–أي إذا لم يكن لديهم إلمام بالقواعد والعمليات الأساسية المعنية ببناءات التكنولوجيا أو الاقتصاد، أو كليهما؟

من وجهة نظرنا، ليس غريبا أن بعض الذين تمرسوا في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد، في عصرنا هذا، يستثمرون من وقتهم واهتمامهم في الإنسانيات والاجتماع، وفي الأديان كذلك، (وبالعكس)؛ إنما الغريب حقا أن بعض المتمترسين في مجالات الإنسانيات والاجتماع، وبعض أهل الأديان، (وبالعكس)، يقولون إن علينا الحفاظ على “فرز التخصصات” وتوكيدها، والتقليل من تجاوز حدود المجالات. ماذا يخدم مثل هذا القول؟ وما الذي يؤدي له مثل هذا الموقف غير المزيد من الابتعاد عن الواقع وعن إمكانيات فهمه؟

ليس في التخصص الضيق وصفا للإنسان ولا منجاة له، ولا انعتاق؛ ومن ينادون بإطالة أمد هذا التضييق يرسبون في أولى امتحانات أدوات فهم الإنسان وفهم واقعه. 

أضف تعليق