عسكرة الدولة، عسكرة الحياة

المؤسسة العسكرية المعاصرة وليدة الدولة العصرية (أو ما جرت العادة بتسميتها بالدولة الحديثة). قبل الدولة العصرية لم تكن هنالك مؤسسة عسكرية بهذه الصورة من الهيكلة الموازية لهياكل السلطة الأخرى في الدولة.

ولم يصبح وضع المؤسسة العسكرية بهذه الطريقة إلا باعتبار أنها حامية السيادة والسلطات في الدولة، أي ليس باعتبارها إحدى السلطات الشرعية بذاتها. لذلك فإن الدولة العصرية تعترف بسلطات ثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولا تقول بوجود “السلطة العسكرية”.… More

ليس من الثورةِ فَكاك

(إحدى المساهمات المختصرة حول الوضع الراهن في السودان. نُشِرت سابقا في صفحة الكاتب في فيسبوك، ثمّ عنونها أحد الأصدقاء بالعنوان أعلاه المأخوذ من النص نفسه)

ننطلق، في فهمنا للواقع السوداني الراهن، من نقطة ذكرناها سابقا، بوضوح وتكرار، وهي أن الاتفاق الذي تم بين المدعو المجلس العسكري الانتقالي (المعجا) وبين قوى الحرية والتغيير (قحت) كان التفافا على الثورة ومسيرتها الأصلية؛ بل يصح القول إنه كان سرقة لها، وهي سرقة تهيّأت عن طريق ضعف الأداء والتنظيم، وضعف الإيمان بالثورة، الذي سوّس موقف الجبهة العريضة التي أوكلها الثوّار مهمة تمثيلهم أمام السلطة الآيلة للسقوط.… More

صندوق سيادي بتمويل شعبي

(أسئلة التنمية الانتقالية ودور الجالية السودانية في الخارج)

أكرم الطرق، وأكثرها مشروعية واحتمال استدامة، للدول النامية كيما تحصّل موارد نقديّة تعينها في ميزانيتها على أداء واجباتها تجاه المواطنين: الضرائب (ثم الضرائب) على الأملاك والدخول بتفاوتاتها، وعوائد القطاع العام (حتى أعتى الدول الرأسمالية لديها شركات ضخمة تابعة للدولة وتشكّل أحد مصادر عائدات الدولة)، والمساهمات المباشرة من المواطنين (وهذه تتخذ عدة أوجه).

الصناديق السيادية إحدى أهم أدوات البلدان المعاصرة لدعم برامجها التنموية المحورية، والتي تحتاج لتمويل كبير وسلس.… More

الدوْر والميزان، ومايو والطائفية: الجمهوريون بين الوعي والسلطة

(1) الدوْر

للإنصاف، هنالك مسألة في تاريخ الحركة الجمهورية تقود إلى “شوشرة” بين الناس بخصوص تفسير بعض مواقف تلك الحركة في المجال العام. تلك المسألة هي أن الجمهوريين، في سني حركتهم الأولى، اختاروا الاستمرار في صورة حزب سياسي، أي التسجيل تنظيميا كحزب سياسي. وفي العادة، حين يرى عموم الناس أنهم ينظرون لتاريخ حزب فإنهم ينظرون لتحركاته ويحسبوها ”فعل كذا لماذا وتصرف هكذا لماذا” باعتبار أن وجهة الأحزاب عموما هي محاولة الوصول للسلطة السياسية في الدولة.… More

وصيـّـة جـدّي

كتبتُ من قبل عن جدي مرات عدة، منها ما ذكرتُ في مقدمة كتاب “السلطة الخامسة” (2021، دار جامعة الخرطوم)، حيث جاء، “أعتقد أني مدين لجدّي، شيخ الدين جبريل، توريثه لي شغف الاطّلاع على المعارف المتنوعة، فذلك الشغف لعلّه الذي أورثني رفض الاكتفاء بأحادية التخصص والانشغال، الأمر الذي نفعني في بحث وتناول قضية متنوعة الأوجه ومتشعّبة كهذه التي بين يدينا.”
[في إحدى رسائله لي، بتاريخ 5 نوفمبر 1989 – عمري وقتها 7 سنوات – أوصاني بـ”قراءة الكتب والكتابة والرياضة المنتظمة والصلاة وحفظ القرآن والخطابة”..
More

فرز الكيمان: في كتاب “حلّاج السودان”

في الفترة الأخيرة، زاد حضور المدرسة الجمهورية (أو الفكرة الجمهورية) في المجال العام العام بصورة واسعة، لعدة ملابسات. في المضمار العام صارت أقلام متنوعة تكتب عنها، تجادلها أو تبني عليها، وتنوّعت مصادر تلك الأقلام، فشملت بلدان عديدة، ناطقة بالعربية وغير ناطقة بها، ذات أغلبية مسلمة وغير ذلك. وفي المضمار الأكاديمي توالت الدراسات المتنوعة حولها وفيها، وبنفس التنوّع المذكور. وتلاميذ تلك المدرسة أيضا زاد نشاطهم مؤخرا وصاروا يخرجون المؤلفات المتنوعة، المستقية منها والبانية عليها.… More

المأساة الأمريكية: نموذج لتناقضات المجتمع الحديث

(1)
الشعب الأمريكي فيه مجموعات وافراد كثيرون شجعان وأصحاب قيم. الحركة العالمية المعادية للامبريالية دائما تميّز بين الشعب الامريكي والسلطات الامريكية، وذلك احتراما للقيمة الكبيرة التي قدّمتها نضالات الجماعات والافراد الأمريكان رفاق القضايا الإنسانية، ومن الواضح أنها أنتجت إرثا كبيرا، أدبيّا ونضاليا، يغرف منه الناس حتى اليوم.

لكن هذا التمييز بين الشعوب والحكومات ليس الغرض منه تبرئة كل الشعوب، فالشعب الأمريكي مليء بمن تزكم عنصريّتهم وفظاظتهم وجشعهم الأنوف، وإن ظهروا أحيانا بمظاهر أنيقة ومتحضرة ولبقة (وأحيانا قيادية ونجوم إعلامية).… More

قصتي مع تنزانيا (سلسلة)

[نُشِرت هذه السلسلة في الوسائط، بين 6 و15 يوليو 2017، ثم نُِشرت آخر حلقة في 10 أكتوبر 2018]

الكثير من الأصدقاء والأهل والمعارف يسألوني: تنزانيا دي قصتك معاها شنو؟ (استفسارا وتعجبا وفضولا في نفس الوقت). طيب، ممكن نحكيها.

بدأت قصتي مع تنزانيا بدايات العام 2013. لكن بوادر العلاقة بدأت قبل ذلك ببضعة سنوات.

اهتمامي بإفريقيا عموما بدأ مع نهاية دراستي الثانوية. أحببت أن أتعرّف على ذلك الجانب من هوّيتي أكثر، خصوصا وأني لم أحظ بفرص كثيرة للتعامل مع أفارقة آخرين (بخلاف السودانيين أو المصريين) إلى ذلك الحين.… More