حول تصدّع القديم وتعثّر الجديد: السرديات العائدة للوراء

حقبة سيادة الكنيسة في أوروبا كانت فيها معالم تُعتِبر إيجابية، فقد ازدهرت في تلك الحقبة مهارات ومعارف المعمار، والفنون التشكيلية كالرسم والنحت، وتطورت معارف الزراعة وهندساتها وكذلك الري، وقد شجّعت الكنيسة تحصيل المعارف التاريخية والطبيعية والكتابة والانضباط في التوثيق والحفاظ على الوثائق، كما طوّرت نظم لوجستية للنقل والمواصلات والمراسلات، واهتمت كذلك بصناعات الحديد وبتطوير النجارة، إلخ. واستمر عهد الإقطاع تحت السيادة الملكية في كل أولئك بجانب التوسع أكثر في التعليم وفي توفير منح للمتفرغين للدراسات النظرية وقواعد الإدارة والفنون بأنواعها، وفي تلك الفترة حصلت بعض التطورات الطبية والفلسفية والصناعية والتجارية والزراعية، إلخ.… More

روابط الدولة والسياسة والدين: بعض المفاهيم

 

الدولة والسياسة ليستا نفس الشيء.
ولذلك فعبارة “فصل الدين عن الدولة” ليست هي نفسها “فصل الدين عن السياسة”.

الدولة هيكل ومؤسسات؛ اقصد الدولة العصرية. أما الأديان، باعتبارها نُظما إيمانية بمرجعيات غيبية وسلوكيات طوعية (وهذا تعريف ناقص) فليست نماذج دولة عصرية، بطبيعة الحال، لكن بطبيعة الحال أيضا هنالك تداخلات في المجالات بينهما ويعزى ذلك عموما لاشتراكهما في دائرة أخرى مهمة جدا وواسعة جدا: المجتمع.… More

حول العلاقة الثلاثية: الدين والدولة والسياسة

[بلغة الكلام في السودان]

ما بننكر انه المسألة – مسألة العلاقة الثلاثية، بين الدين والدولة والسياسة، في العصر الحديث – فيها جوانب معقدة، والإجابات فيها موش جاهزة خالص، ولا بالضرورة بديهية؛ لكن في موجّهات تفكير مفروض تكون راسخة في أرضها، بحكم التاريخ والإطار العام لتطورات الأوضاع الحاكمة زمننا.

بمجرد ما بنتكلم عن ‘دولة عصرية’ (اي تستوفي النموذج المعاصر للدولة حسب المفاهيم والعقود المتواضع عليها عالميا) فده بيعني انها دولة مواطنة جغرافية-سياسية (جيوسياسية) بالمعنى الصريح، يعني حدودها وصلاحياتها وقوانينها بتتشكل عبر قرارات مواطنيها وتفاعلاتهم في الرقعة الجغرافية ذات السيادة، مع استيفاء شروط تاريخية متعارف عليها في الواقع الدولي، الأمر الذي يجعلها دولة غير لاهوتية وأيضا غير عشائرية، وغير ذات حكم مطلق على الرعايا، بالضرورة؛ وده بيختلف اختلاف جوهري عن معظم نماذج “الدول” أو الممالك التي توفرت في التاريخ القديم.… More

دكتاتورية الأغلبية: استعراض ومآلات

الأغلبية تستطيع أن تمارس الدكتاتورية، وهذا أمرٌ لم يكن غائبا منذ التجارب الأولى للديمقراطية الحديثة، ولذلك استعمل ماركس عبارة “دكتاتورية البروليتاريا”، فرغم أن البروليتاريا أغلبية – وأهل حق واضح بالنسبة لماركس، وبالنسبة لنا كذلك – إلا أنهم يمكنهم أن يمارسوا الدكتاتورية. والعبرة هنا ليست رفد ماركس للمصطلح والتبشير به (في سياقات معيّنة) وإنما أن ذلك ممكن–دكتاتورية الأغلبية ممكنة. وفي الأدب السياسي الغربي، غير الماركسي، هنالك اصطلاح آخر لنفس الظاهرة: شمولية الأغلبية
(tyranny of the majority)

(والدكتاتورية تعني، في ترجمتها الأفصح والأكثر تفصيلا، شمولية سلطة القرار بالإملاء والإلزام (to dictate)، أي أن تكون السلطة المطلقة لاتخاذ القرار وتنفيذه بيد جهة معيّنة وينطبق على البقية معها مهما كان محتواه – في حين الديمقراطية تعني دوما أن لا سلطة قرارات مطلقة لأي جهة وإنما دوما مقيدة بقيم وقواعد ومؤسسات معروفة).… More

التنمية وعُراها: عن مكان الاقتصاد من التنمية ومكان الدعم السلعي من الاقتصاد

مسألة تخفيض الدعم السلعي، أو خلافه، في السودان، في هذه الأيام، مهمة – وقد ذكرنا سابقا أن الجماهير دخلت في نقاش وتعلّم جاد حول الاقتصاد السياسي عموما من بوابة مسألة الدعم السلعي، وتلك محمدة – لكنها استغرقت من الناس الكثير من الاهتمام، والأخذ والرد، على حساب مسائل أخرى لا تقل عنها أهمية إن لم تكن أهم. بعض الناس حاولوا أن يبقوا خارج التداول الحاد بصيغة “مع أو ضد”، لا زهدا في المواقف وإنما لأن الجانب الذي ينقص فيه عدد الناس الآن هو جانب النظر للقضية من ناحية النظُم ومن ناحية الأمد المتوسط والطويل. … More

عندنا جائحة وعندنا زهور

من أكثر الصناعات ازدهارا في كينيا صناعة الزهور (زراعتها وحصادها وتشذيبها وشحنها). وهي من أهم الصناعات وأكثرها استقرارا في كينيا لأنها من أكثرها جلبا للنقد الأجنبي، إذ أن الأغلبية الكبرى من الزهور يتم تصديرها خارج البلاد (والبقية المحلية يتم استهلاك أغلبيتها ضمن القطاع السياحي، المصدر الآخر للنقد الأجنبي). يتم تصدير معظم الزهور إلى أوروبا الغربية بالذات. يمكن أن نقول إن سلسلة القيمة في مجملها تابعة لأوروبا أكثر من كونها تابعة لكينيا، لكن على العموم فكينيا تستفيد منها بالقدر الذي يجعلها تهتم بهذا القطاع باستثناء ودلال كأحد ميزاتها التنافسية في باحة الاقتصاد العالمي.… More

مثقفو القضايا الخاسرة

حفّزني لهذا المكتوب أمران، أحدهما تعليق من عماد الدين عيدروس، كتبه مؤخرا في صفحته في فيسبوك، حيث قال، “حفظ الفلسفات لا يجعلك يساري فالشرط الانساني المسبق هو الحساسية ضد الاستغلال والقهر والوقوف مع المضطهدْ زي ما حفظ الأحاديث والقرآن لا يجعلك مؤمنا عند الصوفي، فالشرط المحبة. والماعندو محبة ما عندو الحبة”؛ وثانيهما عبارة كتبتهما كذلك قبل فترة بسيطة في نفس الاتجاه، في فيسبوك، قلت فيها، “من المشاكل والتعقيدات، دلائل غياب توطّن المفاهيم بتاعة الديمقراطية والمؤسسية، وغيابها حتى عند جمعٍ من أصحاب الأقلام والأعلام (بما يشير لمسألة قيلت كثيرا في كتابات التاريخ والفلسفة: الفهم والاستيعاب عملية معقدة لا تأتي من الاطّلاع وحده ولا تأتي من الممارسة وحدها، بل وحتى المزيج بينهما قد لا يكون كافيا حسب الملابسات والاعتبارات الذاتية والموضوعية).”.… More

رجال الدين، والتلغراف والخيّالة

يمكن القول إن رجال الدين، في معظم الأديان السابقة والمعاصرة، لعبوا في الماضي دور علماء الاجتماع والقانون والإدارة في زمانهم، إذ في تلك الأزمان لم تكن هنالك نظم إدارة أو دراسات قانون أو اجتماع أو اقتصاد، إلخ، سواء للتدريس أو الممارسة، مستقلة عن عقيدة الجماعة وعن مذهبية من في السلطة. أيضا يمكن استيضاح أن تطوّر وتعقّد الكتابات والمدارس والمجادلات الفقهية إنما كان تبعا لتطوّر وتعقّد المجتمعات مقارنة بالمجتمع المؤمن الأول، التأسيسي.… More