القرار الاقتصادي ليس اقتصاديا 

تناولَت كتابات سابقة أن قادة النقلات التنموية والاقتصادية الكبيرة التي حصلت مؤخرا، في بعض بلدان العالم (أي البلدان التي انتقلت من قوائم الدول النامية والأدنى أجرا إلى قوائم الدول الصناعية والأجور العالية)، لم يكن معظمهم اقتصاديين مهنيين، أي أن دارسي الاقتصاد لم يكونوا هم الفئة الظاهرة والسائدة في دوائر القرار وفي مفاصل الخدمة المدنية. في كتاباته، يحب ها-جون شانق، خبير الاقتصاد التنموي المعروف وأستاذ الاقتصاد في جامعة كيمبردج، أن يشير إلى هذه النقطة [1، 2]؛ ففي آسيا مثلا كان معظم من قادوا العملية التنموية واشتغلوا في مفاصل الدولة، مهندسين (كما في الصين وفي تايوان) كما كانوا قانونيين (كما في سنغافورة وفي كوريا)، أي أصحاب تدريب مهني/أكاديمي في الهندسة وفي القانون.… More

دولة الرفاه والدولة التنموية: أيهما نريد؟

(تم النشر مسبقا، عبر الوسائط، في 19 و20 أبريل، وفي صحيفة التغيير الالكترونية في 21 و22 أبريل، 2022)

(1-2)

قبل قليل، شاهدت بيانا باسم “تجمع أحياء امبدة السبيل”، وهو بيان في مجمله إيجابي وفي خط لجان المقاومة الذي نؤيده. بيد أن هنالك شيئا لفت انتباهي أكثر من المعتاد، وهو اختيارهم لصفة “دولة رعاية اجتماعية مدنية ديمقراطية” باعتبارها “الدولة البنحلم بيها” [نص البيان، وبوستر البيان، في التعليقات].
More

التنمية والديمقراطية والفقر والجوع: مراجعات واقعية

في كتاب “ممكنات السودان” (2021، جوبا) تحدثنا بصورة عابرة عن النقاش الدائر وسط دراسات “الدمقرطة والتنمية” (democratization and development) – وذلك في إطار المحاججة بأن نجاح الديمقراطية في السودان يتطلب مواقف تنموية واضحة ومباشرة وذات أثر ملموس على مستوى الدولة (ولذلك قلنا إننا ندفع بنموذج الدولة التنموية)، وفي ذلك الحديث قلنا إننا نعتبر الوجهة التنموية شرطا لنجاح الديمقراطية وفق ما تفيدنا به الدراسات في البلدان الأخرى التي يمكن أن نستفيد من تجاربها.More

الحوكمة وصنع السياسات: مدخل

نظام الدولة العصرية في الغالب أعقد نظام اجتماعي في التاريخ قاطبة. يتشكل من أجهزة ومؤسسات كثيرة، تتوزّع عليها سلطات، وهذه السلطات تتقاطع وتتداخل. ثم في كل جهاز ومؤسسة هنالك هياكل قائمة بذاتها ثم لديها حلقات اتصال مع مثيلاتها. الأجهزة أجسام والمؤسسات قواعد؛ وأحيانا للأجهزة وجوه ناعمة وللمؤسسات وجوه صلبة. ووفق كل هذا التعقيد تكون الإدارة وتحريك الدواليب بأيدي أشخاص متبايني النوايا والمصالح والقدرات، فيؤثر اختيارهم ومنصبهم في المواضع الحساسة في ذلك النظام على جميع الحكاية.… More

معهد لدراسات القرار: مقترح

Institute for Decision Studies


(1)

دراسات القرار (decision studies) ليست مصطلحا شائعا، لكنه موجود، في الدوائر الأكاديمية مع بعض الانعكاسات على مجالات العمل الأخرى المتصلة بها. وهنالك أيضا ما يسمى بعلوم القرار (decision sciences) وتسميتها بالعلوم يفيد إضفاء المزيد من السطوة المعترفة (authority) لها،[1] أو على الأقل إضاءة ذلك الجانب من مسائل صنع القرار الذي يستعين على “علوم” معتمدة، مثل الاقتصاد (بما يشمل الاقتصاد السياسي والاقتصاد السلوكي والاقتصاد المؤسسي) والإحصاء (بما يشمل نظريات القرار الإحصائية) وعلم البيانات، وتعلم الآلة (machine learning) وعلوم الرياضيات والبرمجة، وسايكولوجيا الإدراك (cognitive psychology)، إلخ.… More

لماذا نستثمر في افريقيا

القارة الافريقية تغطي 20% من سطح الكوكب (اليابسة)، وهي مكان حياة 1.4 بليون بشري–والراجح أن يبلغوا 2.5 بليون مع بلوغ سنة 2050. لدى افريقيا 60% من مجمل ما في الكوكب من أراضي صالحة للزراعة لم تُحرَث بعد؛ كما بها حوالي 30% من مجمل مخزون الكوكب من المعادن، ذلك بجانب الكثير من الغابات الغنية والمهمة (ليس كموارد تنموية فحسب وإنما للتوازن البيئي على الكوكب كله كذلك).… More

التنمية وعُراها: عن مكان الاقتصاد من التنمية ومكان الدعم السلعي من الاقتصاد

مسألة تخفيض الدعم السلعي، أو خلافه، في السودان، في هذه الأيام، مهمة – وقد ذكرنا سابقا أن الجماهير دخلت في نقاش وتعلّم جاد حول الاقتصاد السياسي عموما من بوابة مسألة الدعم السلعي، وتلك محمدة – لكنها استغرقت من الناس الكثير من الاهتمام، والأخذ والرد، على حساب مسائل أخرى لا تقل عنها أهمية إن لم تكن أهم. بعض الناس حاولوا أن يبقوا خارج التداول الحاد بصيغة “مع أو ضد”، لا زهدا في المواقف وإنما لأن الجانب الذي ينقص فيه عدد الناس الآن هو جانب النظر للقضية من ناحية النظُم ومن ناحية الأمد المتوسط والطويل. … More

عندنا جائحة وعندنا زهور

من أكثر الصناعات ازدهارا في كينيا صناعة الزهور (زراعتها وحصادها وتشذيبها وشحنها). وهي من أهم الصناعات وأكثرها استقرارا في كينيا لأنها من أكثرها جلبا للنقد الأجنبي، إذ أن الأغلبية الكبرى من الزهور يتم تصديرها خارج البلاد (والبقية المحلية يتم استهلاك أغلبيتها ضمن القطاع السياحي، المصدر الآخر للنقد الأجنبي). يتم تصدير معظم الزهور إلى أوروبا الغربية بالذات. يمكن أن نقول إن سلسلة القيمة في مجملها تابعة لأوروبا أكثر من كونها تابعة لكينيا، لكن على العموم فكينيا تستفيد منها بالقدر الذي يجعلها تهتم بهذا القطاع باستثناء ودلال كأحد ميزاتها التنافسية في باحة الاقتصاد العالمي.… More