دور حوكمة التنمية في التحول الديمقراطي، وتاريخ السودان في المجال

تفيد دروس التاريخ، في ما يتعلق بالحروب الكبيرة، أن التفكير الجاد في ما بعد الحرب، أثناء الحرب، بتدقيق وبُعد نظر، وبذل تصوّرات يمكن الالتفاف القوي حولها، جزء من إنهاء تلك الحروب نهايات حقيقية. فالحروب الكبرى انفجارات تأتي جراء تراكمات، وتلك التراكمات لا تذهب بمجرد أن تضع الحرب أوزارها إنما ينبغي أن تعالج في مكامنها، وإلا انفجرت مرات أخرى وربما بأبشع مما قبل. على سبيل المثال، ما سُمّى بالحرب العالمية الأولى، كانت ضخمة ومهولة وغير مسبوقة، بمعايير التاريخ وقتها، ورغم فظائعها وخساراتها المهولة، تم إنهاؤها على أي حال؛ ثم سرعان ما اتضح بعد وقت وجيز أنها كانت ‘بروفة’ وجذوة لحرب أكبر منها وأطول منها – ما سمي بالحرب العالمية الثانية – بخسائر أضعاف في الأرواح وفظائع أوسع وأكثر إيلاما، ومعها فترة طويلة من الانهيارات المتلاحقة والحروب المشتقة؛ ذلك لأن عوامل الحرب الأولى لم تُعالَج، بل أنهُيَت فقط بكفكفة أطرافها….More

حوكمة التنمية: قضايا وأطروحات

بيان وبشرى

استلهاما لأجواء وروح التغيير في السودان، وبما أننا جزء لا يتجزّأ من حراك معرفي وثقافي يسعى لإحداث تغيّرات إيجابية ملموسة في المناخ السوداني، بعد ثلاثين سنة من الظروف غير المساعدة التي لم نتوقّف فيها عن المحاولة الجادة وتحقيق بعض الانتصارات لصالح الحراك هنا وهناك؛ فقد قرّرنا أن نكون ضمن أوائل من يخوضون تجربة نشر جديدة في السودان، اخترناها بوعي، ونأمل أن تثمر لصالح الحراك كله.More

شرح أسس الاقتصاد للناس – سلسلة محاضرات

من ما يُنصّح به بشدة، لجميع المهتمين بالحيازة على معرفة عامة بقضايا الاقتصاد المعاصر (النظريات العامة المؤثّرة، والمفاهيم المفتاحية، والقضايا الكبرى، والأنماط التاريخية المهمة، ونقاط النقد الأساسية للممارسات والمدارس السائدة): المشاهدة الهادئة لسلسلة المحاضرات “الاقتصاد للناس” (أو شرح أسس الاقتصاد للناس)  التي نظمها معهد التفكير الاقتصادي الجديد (INET) وقدمها ها-جون شانق – أستاذ الاقتصاد المعروف بجامعة كيمبردج، وصاحب المساهمات الكبيرة في الاقتصاد المؤسسي والاقتصاد السياسي للتنمية* –  في ديسمبر 2019.More

دولة الرفاه والدولة التنموية: أيهما نريد؟

(تم النشر مسبقا، عبر الوسائط، في 19 و20 أبريل، وفي صحيفة التغيير الالكترونية في 21 و22 أبريل، 2022)

(1-2)

قبل قليل، شاهدت بيانا باسم “تجمع أحياء امبدة السبيل”، وهو بيان في مجمله إيجابي وفي خط لجان المقاومة الذي نؤيده. بيد أن هنالك شيئا لفت انتباهي أكثر من المعتاد، وهو اختيارهم لصفة “دولة رعاية اجتماعية مدنية ديمقراطية” باعتبارها “الدولة البنحلم بيها” [نص البيان، وبوستر البيان، في التعليقات].
More

الحوكمة وصنع السياسات: مدخل

نظام الدولة العصرية في الغالب أعقد نظام اجتماعي في التاريخ قاطبة. يتشكل من أجهزة ومؤسسات كثيرة، تتوزّع عليها سلطات، وهذه السلطات تتقاطع وتتداخل. ثم في كل جهاز ومؤسسة هنالك هياكل قائمة بذاتها ثم لديها حلقات اتصال مع مثيلاتها. الأجهزة أجسام والمؤسسات قواعد؛ وأحيانا للأجهزة وجوه ناعمة وللمؤسسات وجوه صلبة. ووفق كل هذا التعقيد تكون الإدارة وتحريك الدواليب بأيدي أشخاص متبايني النوايا والمصالح والقدرات، فيؤثر اختيارهم ومنصبهم في المواضع الحساسة في ذلك النظام على جميع الحكاية.… More

معهد لدراسات القرار: مقترح

Institute for Decision Studies


(1)

دراسات القرار (decision studies) ليست مصطلحا شائعا، لكنه موجود، في الدوائر الأكاديمية مع بعض الانعكاسات على مجالات العمل الأخرى المتصلة بها. وهنالك أيضا ما يسمى بعلوم القرار (decision sciences) وتسميتها بالعلوم يفيد إضفاء المزيد من السطوة المعترفة (authority) لها،[1] أو على الأقل إضاءة ذلك الجانب من مسائل صنع القرار الذي يستعين على “علوم” معتمدة، مثل الاقتصاد (بما يشمل الاقتصاد السياسي والاقتصاد السلوكي والاقتصاد المؤسسي) والإحصاء (بما يشمل نظريات القرار الإحصائية) وعلم البيانات، وتعلم الآلة (machine learning) وعلوم الرياضيات والبرمجة، وسايكولوجيا الإدراك (cognitive psychology)، إلخ.… More

مفاكرة: الحوكمة وصنع السياسات

“استضافت مجموعة أجندة مفتوحة، مساء الجمعة الماضي (6 مارس 2020)، بلندن، المملكة المتحدة، قصي همرور في مفاكرة حول الحوكمة وصنع السياسات (تقديم مروة جبريل) حيث ابتدر قصي الفعالية بورقة قيّمة حول الموضوع. عقب ذلك دار حوار ونقاش مستفيض بين الضيف والحضور.”

يمكن أن نقول إن صنعة الدولة (statecraft) هي التي تستحق أن تسود المجال السياسي، وأن تعامل كعلم. [والعلم هنا معناه: مجال مبوّب ومدروس، بحيث يشتمل على مجموعة معارف ومهارات لديها معايير متوافق عليها بين المشتغلين في المجال، وبحيث أن من ليس لديه إدراك كافي لتلك المعارف والمهارات، وفق المعايير، لا ينتسب للمجال].… More

الضرائب والضرائب

من الأشياء المثيرة للاهتمام، في المعمعة الكوكبية في السنوات الأخيرة، أن هنالك أطروحات اقتصادية سياسية صارت تجد توافقا كبيرا، ومؤسسا وموضوعيا، بين الاشتراكيين والرأسماليين معا.

إحدى أكبر تلك الأطروحات، والتي نجد حاليا الكثير من الاقتصاديين وصانعي السياسات والدارسين (scholars) يؤيدونها ويدفعون بها كأجندة أساسية في المجال العام، سواء أكانوا رأسماليين أو اشتراكيين أو “بين بين” او “لبراليين اجتماعيين”، أطروحة رفع الضرائب التصاعدية على الأثرياء، وبالذات على رؤوس أموال الأثرياء (سواء أكانوا شخصيات حقيقية أو اعتبارية/قانونية كالشركات الكبرى)، مع تعميم هذه الأطروحة إقليميا وعالميا نظرا لترابط الاقتصاد العالمي (العولمي) بشكل غير مسبوق في التاريخ ونظرا لكثرة حركة رأس المال وقفزه من بلد لآخر – بدون أي اعتبار لعواقب ذلك القفز على اقتصاد المجتمعات – كلّما تغيّرت السياسات الاقتصادية عبر الحدود.… More