بين التجريد والتجسيد برزخ

بين التجريد والتجسيد برزخ، أو سديم تداخل.
قد يستبعده الفلاسفة في سبحات التجريد، وقد يتجنّبه الممارسون في ميادين التجسيد.

هنالك حيث تكون النُظُم، ويكون بناؤها؛ ويكون البراكسِس.
تُبذَرُ بذرةٌ هنالك، لتتمدد جذورها في فضاء الفلسفة وتتذلّل قطوفها في فضاء العمل.

يشوّقني ويساورني التجريد، ويشدّ همّتي التجسيد.
فأجد مكاني السلس في البرزخ، بينَ بينْ،
وحينـًا أسيح هناك وحينـًا آخذ معولي هناك.

هذا الوسط، عروةٌ وورطة.… More

بين الأنساق الكبرى والتفاصيل

النظر للأنساق الكبرى (الصورة الكبيرة) يحجب التفاصيل.
والنظر للتفاصيل يحجب الأنساق الكبرى (والتفاصيل التي في العوامل الأخرى).

ولكل “منظور” أهميته، فعلى سبيل المثال، كما قال نسيم طالب، إن النظر لتفاصيل ألوان عيون الناس وانت تقطع في الطريق سيذهلك عن الانتباه للشاحنة الهادرة نحوك؛ وفي الجانب الآخر من السهل جدا الانشغال بالتفاصيل في مسألة ما عن الصورة الكبيرة (وهذه يكاد يكون معظم الباحثين في العلوم والدراسات الانحصارية، في العصر الحديث، متورطين فيها).… More

براءة الاختراع وبراءة التاريخ

ورقة علمية، تخصصية، في التاريخ والتكنولوجيا (وفلسفة العلوم)، نُشِرت مؤخرا (يونيو 2023)، وأحدثت ضجة نادرة في عالم الأوراق العلمية في هذا المجال (وهو مجال لا يحظى عادة بالكثير من الاهتمام والمتابعة خارج دوائرة الأكاديمية والمهتمة المحدودة). خلاصة الورقة، التي قدمتها الباحثة جيني بولسترود، أن إحدى براءات الاختراع المسجلة تاريخيا، من القرن الثامن عشر، والمهمة في تاريخ تطور الثورة الصناعية بأوروبا، تعود أصولها الموثقة ليس إلى الشخص الانكليزي الذي قام بتسجيلها لصالحه (واسمه هنري كورت، وهو صاحب أعمال ونواقل وأعمال تعدين) وإنما تعود إلى ما شاهده و”استقاه” من المهارة والخبرة المستقّلة في العِدانة metallurgy لعمّال الحديد السود في جامايكا (حيث مارس كورت بعض أعماله)، الذين كان جملتهم من المسترقين من غرب ووسط افريقيا، حيث تشير المؤشرات الآن إلى أن تلك العملية “الاختراع” في التعدين تُنسب في الأصل إلى هنالك [وصلة الورقة، وملخص لها، في آخر هذه المقالة].   More

بين المثقف العام والمؤثر

عدد بسيط من الشباب – ذكورا وإناثا – الذين أتابع كتاباتهم وأقوالهم ومداخلاتهم في منصة فيسبوك ومجمل “منصات التواصل الاجتماعي” أو السوشلميديا (كمكان حصري لكتاباتهم ومداخلاتهم)، أعتبر تفكيرهم مرتّبا ولغتهم سلسة في التعبير عن المسائل التي فيها تعقيد؛ وعندهم أدوات المفكّر فعلا. هؤلاء من الذين أنتظر منهم أن يكتبوا كتابة مرتبة أو عروضا مرتّبة يوما ما – أوراق، كتب، مقالات/تدوينات، محاضرات مرتّبة في موضوعها، لقاءات أو وثائقيات، الخ – بمعنى توقي لأن أراهم يقدمون أفكارهم وخلاصة اطلاعهم بصورة أقرب لتوثيق وتأطير المعرفة وأبعد من الشفاهة العابرة أو محتوى السوشلميديا فحسب.… More

معنى السياسة

السياسة لغةً تعني تدبير وتصريف أمور الناس، وذلك وفق رعاية مصالحهم. أمّا ممارسةً فهي في واقعنا المعاصر يُفهَم أنها تشير إلى ممارسات ممنهجة واستراتيجية وفق قيم وأهداف، ووفق موازنات لمطامح وقوى متداخلة وذات مشروعية، على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية. وفق ذلك فأن يسوس المرء أمور الناس تعني أن يدبّرها ويصرّفها وفق منهجية ووفق رؤية تضع مصالحهم نصب العين؛ فالبداية تكون في التعاطف مع أولئك الناس والانحياز لهم، كمنطلق للسياسة، ثم تأتي الممارسة المنهجية والاستراتيجية لتحقق قيمة ذلك التعاطف والانحياز.More

ما زالت هنالك بركة: زاوية أخرى للأوساط المهنية

الأوساط البحثية والأكاديمية (مثل غيرها من الأوساط المهنية الكلاسيكية)فيها الكثير من التقاليد البالية، التي تحتاج لمراجعات؛ وفيها أيضا تقاليد محترمة وإيجابية، ومُجزية، وينبغي الاستزادة منها. 

من تلك التقاليد أن عددا مقدّرا من الباحثين ذوي الخبرة (نسبيا)، سواء في متوسط مشوارهم المهني أو في مراحل متقدمة منه، يستثمرون جزءا مقدّرا من وقتهم وجهدهم في دعم الباحثين الواعدين، أو الباحثين في بداية طريقهم. ورغم أن السياق قد يكون أحيانا مبنيّا على فوائد مباشرة متبادلة، لكنه في حالات ومناسبات متعددة يمكن أن يكون بدون تلك الفوائد المباشرة (لكن بالطبع له فوائد أخرى، سنذكرها بعد قليل).More

احتقانات التاريخ لا تذوب: خاطرة اجتماعية

عبر التاريخ البشري، المجتمعي، قاطبة، لا توجد احتقانات تذوب في مكانها وتذهب منسيّة، هكذا ببساطة. ستبقى التراكمات العنيفة تبحث عن مناطق هشة من الغشاء الاجتماعي الذي قد يبدو متماسكا وما هو بذلك، وحين تجدها ستضغط عليها حتى تخرقها…. ثم الخرق إما يتّسع، أو ينفجر، او تحصل معجزة.
 
ليست هنالك نجاة مجانية من الاحتقانات. هنالك دائما تكلفة. لكن هنالك فرص نجاة نسبية – ربما – بالعمل الدؤوب والتضحية من أجل جبر التراكمات، وتخفيفها، وإعطاء الاحتقانات منفذا ممكنا وغير كارثي.
More

وصيـّـة جـدّي

كتبتُ من قبل عن جدي مرات عدة، منها ما ذكرتُ في مقدمة كتاب “السلطة الخامسة” (2021، دار جامعة الخرطوم)، حيث جاء، “أعتقد أني مدين لجدّي، شيخ الدين جبريل، توريثه لي شغف الاطّلاع على المعارف المتنوعة، فذلك الشغف لعلّه الذي أورثني رفض الاكتفاء بأحادية التخصص والانشغال، الأمر الذي نفعني في بحث وتناول قضية متنوعة الأوجه ومتشعّبة كهذه التي بين يدينا.”
[في إحدى رسائله لي، بتاريخ 5 نوفمبر 1989 – عمري وقتها 7 سنوات – أوصاني بـ”قراءة الكتب والكتابة والرياضة المنتظمة والصلاة وحفظ القرآن والخطابة”..
More