بين صفوة التعليم الاستعماري وتصفية الاستعمار

عبر مراجعة عامة وسريعة لحركات التحرر الوطني، وحركات مناهضة الاستعمار، في القرن العشرين بالذات (مع وجود حالات من القرن التاسع عشر وحالات متنامية من القرن الحادي والعشرين)، سنجد أن معظم روّاد وقيادات تلك الحركات – القيادات التنظيمية والميدانية والفكرية، وكذلك الكوادر الاستراتيجية – هم من أهل المستعمرات الذين تلقّوا تعليما وتدريبا غربيّا (أي تعليما استعماريا)، سواء أكان ذلك عن طريق الحصول على فرصة للسفر خارج بلدانهم للدراسة في عواصم الاستعمار (في أوروبا وأمريكا الشمالية) أو عن طريق الدراسة في بلدانهم في منشآت تعليم استعماري عالي كان هدفها الأساسي – أي هدف تلك المنشآت التعليمية الاستعمارية – إنتاج “أفندية” يعينون الطاقم الاستعماري، الإداري والفني، على أشغالهم بصورة أفضل.
More

حول تصدّع القديم وتعثّر الجديد: السرديات العائدة للوراء

حقبة سيادة الكنيسة في أوروبا كانت فيها معالم تُعتِبر إيجابية، فقد ازدهرت في تلك الحقبة مهارات ومعارف المعمار، والفنون التشكيلية كالرسم والنحت، وتطورت معارف الزراعة وهندساتها وكذلك الري، وقد شجّعت الكنيسة تحصيل المعارف التاريخية والطبيعية والكتابة والانضباط في التوثيق والحفاظ على الوثائق، كما طوّرت نظم لوجستية للنقل والمواصلات والمراسلات، واهتمت كذلك بصناعات الحديد وبتطوير النجارة، إلخ. واستمر عهد الإقطاع تحت السيادة الملكية في كل أولئك بجانب التوسع أكثر في التعليم وفي توفير منح للمتفرغين للدراسات النظرية وقواعد الإدارة والفنون بأنواعها، وفي تلك الفترة حصلت بعض التطورات الطبية والفلسفية والصناعية والتجارية والزراعية، إلخ.… More

دكتاتورية الأغلبية: استعراض ومآلات

الأغلبية تستطيع أن تمارس الدكتاتورية، وهذا أمرٌ لم يكن غائبا منذ التجارب الأولى للديمقراطية الحديثة، ولذلك استعمل ماركس عبارة “دكتاتورية البروليتاريا”، فرغم أن البروليتاريا أغلبية – وأهل حق واضح بالنسبة لماركس، وبالنسبة لنا كذلك – إلا أنهم يمكنهم أن يمارسوا الدكتاتورية. والعبرة هنا ليست رفد ماركس للمصطلح والتبشير به (في سياقات معيّنة) وإنما أن ذلك ممكن–دكتاتورية الأغلبية ممكنة. وفي الأدب السياسي الغربي، غير الماركسي، هنالك اصطلاح آخر لنفس الظاهرة: شمولية الأغلبية
(tyranny of the majority)

(والدكتاتورية تعني، في ترجمتها الأفصح والأكثر تفصيلا، شمولية سلطة القرار بالإملاء والإلزام (to dictate)، أي أن تكون السلطة المطلقة لاتخاذ القرار وتنفيذه بيد جهة معيّنة وينطبق على البقية معها مهما كان محتواه – في حين الديمقراطية تعني دوما أن لا سلطة قرارات مطلقة لأي جهة وإنما دوما مقيدة بقيم وقواعد ومؤسسات معروفة).… More

مثقفو القضايا الخاسرة

حفّزني لهذا المكتوب أمران، أحدهما تعليق من عماد الدين عيدروس، كتبه مؤخرا في صفحته في فيسبوك، حيث قال، “حفظ الفلسفات لا يجعلك يساري فالشرط الانساني المسبق هو الحساسية ضد الاستغلال والقهر والوقوف مع المضطهدْ زي ما حفظ الأحاديث والقرآن لا يجعلك مؤمنا عند الصوفي، فالشرط المحبة. والماعندو محبة ما عندو الحبة”؛ وثانيهما عبارة كتبتهما كذلك قبل فترة بسيطة في نفس الاتجاه، في فيسبوك، قلت فيها، “من المشاكل والتعقيدات، دلائل غياب توطّن المفاهيم بتاعة الديمقراطية والمؤسسية، وغيابها حتى عند جمعٍ من أصحاب الأقلام والأعلام (بما يشير لمسألة قيلت كثيرا في كتابات التاريخ والفلسفة: الفهم والاستيعاب عملية معقدة لا تأتي من الاطّلاع وحده ولا تأتي من الممارسة وحدها، بل وحتى المزيج بينهما قد لا يكون كافيا حسب الملابسات والاعتبارات الذاتية والموضوعية).”.… More

رجال الدين، والتلغراف والخيّالة

يمكن القول إن رجال الدين، في معظم الأديان السابقة والمعاصرة، لعبوا في الماضي دور علماء الاجتماع والقانون والإدارة في زمانهم، إذ في تلك الأزمان لم تكن هنالك نظم إدارة أو دراسات قانون أو اجتماع أو اقتصاد، إلخ، سواء للتدريس أو الممارسة، مستقلة عن عقيدة الجماعة وعن مذهبية من في السلطة. أيضا يمكن استيضاح أن تطوّر وتعقّد الكتابات والمدارس والمجادلات الفقهية إنما كان تبعا لتطوّر وتعقّد المجتمعات مقارنة بالمجتمع المؤمن الأول، التأسيسي.… More

الشريكان المتربّصان، وخضم الثورة

[تم نشر هذه المداخلة، في الوسائط، في 29 أغسطس 2019، ونرى أنها إحدى المساهمات التي حاولت لفت النظر لأهمية قراءة عناصر التفاعل والاحتقان السياسي-اجتماعي حينها والتي كانت تستخلص مآلات المستقبل؛ ليس فقط من أجل انتظار تحقق تلك المآلات، إنما من أجل التهيّؤ لها حتى لا تأخذنا على حين غرّة.]
 
طرفا الاتفاق، كلاهما يتربّص للآخر.
[المقصود بالطرفين: قوى الحرية والتغيير، والمجلس العسكري الانتقالي، واللذين اتفقا على الشراكة في الحكم للفترة الانتقالية في السودان بعد أن أسقط الشعب السوداني نظام الحكم الذي ترأسه عمر البشير منذ يونيو 1989 حتى أبريل 2019، وقد كان ذلك الاتفاق باعتبار أن قوى الحرية والتغيير مفوضة من الجماهير لاستلام السلطة بينما المجلس العسكري كان في مجمله بقايا القيادات العسكرية التي ظلت بجانب البشير وشاركته جانبا كبيرا من مسؤولية الجرائم التي تمّت في عهده، ثم قاموا بتنفيذ ترتيبات عزله بعد أن صار جليّا أنه لن يستطيع الاستمرار وعيّنوا أنفسهم قادة جدد لملء فراغ الحكم.]
More

حول كتاب “حوارية لاهاي”، وتعريف المثقف

كمساهمة، وفق دعوة كريمة، في ندوة بعنوان “عبدالله بولا: مساهمة رائدة في الفكر والفن وقضايا السودان”، في تدشين كتاب “حوارية لاهاي: مرافعة في حق المثقفين السودانيين” لعبدالله بولا، بالدوحة، أغسطس 2023، بالمركز الثقافي السوداني، قدّمنا ورقة بعنوان “عبدالله بولا كأحد رواد الافروعمومية بالسودان”. ثم في ديسمبر 2023 أقيمت ندوة اسفيرية حول نفس الكتاب، بواسطة منتدى قدامنا الصباح الثقافي، شاركنا فيها كذلك بدعوة كريمة.… More

احتقانات التاريخ لا تذوب: خاطرة اجتماعية

عبر التاريخ البشري، المجتمعي، قاطبة، لا توجد احتقانات تذوب في مكانها وتذهب منسيّة، هكذا ببساطة. ستبقى التراكمات العنيفة تبحث عن مناطق هشة من الغشاء الاجتماعي الذي قد يبدو متماسكا وما هو بذلك، وحين تجدها ستضغط عليها حتى تخرقها…. ثم الخرق إما يتّسع، أو ينفجر، او تحصل معجزة.
 
ليست هنالك نجاة مجانية من الاحتقانات. هنالك دائما تكلفة. لكن هنالك فرص نجاة نسبية – ربما – بالعمل الدؤوب والتضحية من أجل جبر التراكمات، وتخفيفها، وإعطاء الاحتقانات منفذا ممكنا وغير كارثي.
More