بين الأنساق الكبرى والتفاصيل

النظر للأنساق الكبرى (الصورة الكبيرة) يحجب التفاصيل.
والنظر للتفاصيل يحجب الأنساق الكبرى (والتفاصيل التي في العوامل الأخرى).

ولكل “منظور” أهميته، فعلى سبيل المثال، كما قال نسيم طالب، إن النظر لتفاصيل ألوان عيون الناس وانت تقطع في الطريق سيذهلك عن الانتباه للشاحنة الهادرة نحوك؛ وفي الجانب الآخر من السهل جدا الانشغال بالتفاصيل في مسألة ما عن الصورة الكبيرة (وهذه يكاد يكون معظم الباحثين في العلوم والدراسات الانحصارية، في العصر الحديث، متورطين فيها).… More

القرار الاقتصادي ليس اقتصاديا 

تناولَت كتابات سابقة أن قادة النقلات التنموية والاقتصادية الكبيرة التي حصلت مؤخرا، في بعض بلدان العالم (أي البلدان التي انتقلت من قوائم الدول النامية والأدنى أجرا إلى قوائم الدول الصناعية والأجور العالية)، لم يكن معظمهم اقتصاديين مهنيين، أي أن دارسي الاقتصاد لم يكونوا هم الفئة الظاهرة والسائدة في دوائر القرار وفي مفاصل الخدمة المدنية. في كتاباته، يحب ها-جون شانق، خبير الاقتصاد التنموي المعروف وأستاذ الاقتصاد في جامعة كيمبردج، أن يشير إلى هذه النقطة [1، 2]؛ ففي آسيا مثلا كان معظم من قادوا العملية التنموية واشتغلوا في مفاصل الدولة، مهندسين (كما في الصين وفي تايوان) كما كانوا قانونيين (كما في سنغافورة وفي كوريا)، أي أصحاب تدريب مهني/أكاديمي في الهندسة وفي القانون.… More

الدولة العصرية والسودان: ‘لا بريدك ولا بحمل بلاك’

الذين عاشوا ويعيشون في السودان، في العصر الحالي، يجلسون في المقعد الأمامي في مشاهدة سيناريو فشل الدولة وانهيارها، كأحد السيناريوهات الواردة مع حالة أي دولة في هذا العصر–أي أن استقرار الدولة واستيفائها للحد الأدنى من شروط الكفاءة ليس أمرا مضمونا لأي دولة، فأي دولة مهددة بالانهيار في فترة وجيزة إذا عجزت عناصرها عن الاستمرار، لأي سبب من الأسباب؛ وهذا إجمالا وضع أي بناء حضاري بناه البشر في تاريخهم المكتوب، فأي حضارة دامت لفترة، طالت أم قصُرت، مرت بامتحانات ومحكّات، فإما تجاوزتها وإما فشلت ثم انهارت (وعادة بسرعة أكبر من الوقت الذي احتاجته لكي تبني نفسها وتصل لقمة سطوتها)؛ وفي النهاية، لا يوفّر لنا التاريخ أي نموذج لأي بناء حضاري استمر بدون أن ينهار يوما ما.… More

بين المثقف العام والمؤثر

عدد بسيط من الشباب – ذكورا وإناثا – الذين أتابع كتاباتهم وأقوالهم ومداخلاتهم في منصة فيسبوك ومجمل “منصات التواصل الاجتماعي” أو السوشلميديا (كمكان حصري لكتاباتهم ومداخلاتهم)، أعتبر تفكيرهم مرتّبا ولغتهم سلسة في التعبير عن المسائل التي فيها تعقيد؛ وعندهم أدوات المفكّر فعلا. هؤلاء من الذين أنتظر منهم أن يكتبوا كتابة مرتبة أو عروضا مرتّبة يوما ما – أوراق، كتب، مقالات/تدوينات، محاضرات مرتّبة في موضوعها، لقاءات أو وثائقيات، الخ – بمعنى توقي لأن أراهم يقدمون أفكارهم وخلاصة اطلاعهم بصورة أقرب لتوثيق وتأطير المعرفة وأبعد من الشفاهة العابرة أو محتوى السوشلميديا فحسب.… More

أبناء الثقافة الثالثة، والوطنية

نحن أبناء الثقافة الثالثة* من الأيسر علينا أن نكون منفتحين على العالم [لكن ذلك لا يعني أن جميعنا كذلك، أو أن غيرنا بالضرورة ليس كذلك]. لقد ترعرعنا ونحن نتعرّض لسرديات وممارسات ثقافية متعددة المصادر، سواء أكان في ما نرى وما نسمع في واقعنا، أو ما نقرأ من كتابات وما نستهلك من فنون (موسيقى وفولكلور وغيرها) وما نشاهد من صوتمرئيات، وسواء أكان في تنوّع الخلفيات الثقافية لمن هم في دائرة أصدقائنا المقربين (خاصة أصدقاء طفولتنا) وجيراننا وزملائنا، أو في تنوّع اللغات التي ترعرعنا وفقها وصرنا نفكّر بها (على تفاوت بيننا في ذلك وحسب تجاربنا الجغرافية).More

حول تصدّع القديم وتعثّر الجديد: السرديات العائدة للوراء

حقبة سيادة الكنيسة في أوروبا كانت فيها معالم تُعتِبر إيجابية، فقد ازدهرت في تلك الحقبة مهارات ومعارف المعمار، والفنون التشكيلية كالرسم والنحت، وتطورت معارف الزراعة وهندساتها وكذلك الري، وقد شجّعت الكنيسة تحصيل المعارف التاريخية والطبيعية والكتابة والانضباط في التوثيق والحفاظ على الوثائق، كما طوّرت نظم لوجستية للنقل والمواصلات والمراسلات، واهتمت كذلك بصناعات الحديد وبتطوير النجارة، إلخ. واستمر عهد الإقطاع تحت السيادة الملكية في كل أولئك بجانب التوسع أكثر في التعليم وفي توفير منح للمتفرغين للدراسات النظرية وقواعد الإدارة والفنون بأنواعها، وفي تلك الفترة حصلت بعض التطورات الطبية والفلسفية والصناعية والتجارية والزراعية، إلخ.… More

حول كتاب “حوارية لاهاي”، وتعريف المثقف

كمساهمة، وفق دعوة كريمة، في ندوة بعنوان “عبدالله بولا: مساهمة رائدة في الفكر والفن وقضايا السودان”، في تدشين كتاب “حوارية لاهاي: مرافعة في حق المثقفين السودانيين” لعبدالله بولا، بالدوحة، أغسطس 2023، بالمركز الثقافي السوداني، قدّمنا ورقة بعنوان “عبدالله بولا كأحد رواد الافروعمومية بالسودان”. ثم في ديسمبر 2023 أقيمت ندوة اسفيرية حول نفس الكتاب، بواسطة منتدى قدامنا الصباح الثقافي، شاركنا فيها كذلك بدعوة كريمة.… More

فرز الكيمان: في كتاب “حلّاج السودان”

في الفترة الأخيرة، زاد حضور المدرسة الجمهورية (أو الفكرة الجمهورية) في المجال العام العام بصورة واسعة، لعدة ملابسات. في المضمار العام صارت أقلام متنوعة تكتب عنها، تجادلها أو تبني عليها، وتنوّعت مصادر تلك الأقلام، فشملت بلدان عديدة، ناطقة بالعربية وغير ناطقة بها، ذات أغلبية مسلمة وغير ذلك. وفي المضمار الأكاديمي توالت الدراسات المتنوعة حولها وفيها، وبنفس التنوّع المذكور. وتلاميذ تلك المدرسة أيضا زاد نشاطهم مؤخرا وصاروا يخرجون المؤلفات المتنوعة، المستقية منها والبانية عليها.… More