هل كان الاستعمار سيئا حقا؟

أعلم أن السودانيين ليسوا وحدهم الذين نجد بينهم من يتساءلون: هل كان زمان الاستعمار سيئا حقا، مقارنة بواقعنا الحالي بعد عقود من الاستقلال السياسي؟ بخصوص هذا التساؤل العام ليس السودانيون نسيج وحدهم من ناحيتين: الأولى أنهم ليسوا الشعب الوحيد الذي خرج مؤخرا – أي قبل بضعة عقود – من حقبة استعمار مباشر؛ والثانية أن مثل هذا التساؤل، بتجلياته المتنوعة، يصدر عن أكثر من فئة واحدة من فئات الشعب الواحد. بطبيعة الحال فكل فئة تتساءل ذلك السؤال وفق ذاكرتها ولغتها وأجندتها الخاصة. من تلك الفئات فئة عوائل المتعلمين (الخريجين) الذين تبدلت أحوالهم – ومعها أحوال بيوتهم وذويهم عموما – في العقود الأخيرة لسنوات الاستعمار حيث نالوا تعليما إداريا ومهنيا حديثا وصاروا أفندية في مرافق الدولة وأصحاب امتيازات فيها بين بني جلدتهم. ومنها فئة الأجيال التي لم تعاصر الاستعمار ذات نفسه ولكنها وُلِدَت “مستقلة” في بلدان يرونها تعاني من مشاكل تنمية واستقرار غائرة، ثم ينظرون وراء البحار فيرون البلدان التي كانت تستعمر بلادهم في السابق متفوقة اليوم في كل شيء وبمراحل بعيدة: التطور المادي والرخاء الاقتصادي والخضم الإعلامي والفني والتكنولوجي والصحي، وباقات الحقوق الدستورية والحريات القانونية، إلخ، فلا يملكون بدّا من أن يأخذهم الخيال إلى تساؤلات مثل هذه. أيضا من تلك الفئات من يمكن تسميتهم، بشيء من التعميم المخل واللغة غير الدقيقة، أهل الشارع العاديين، وهم يشملون الحرفيين (الصنايعيين) والمجتمعات شبه الريفية (مثل مجتمعات المساكن العشوائية) وربات البيوت وصغار التجار، إلخ، الذين لم تتسنّ لهم فرص تشرب المعارف السياسية والاقتصادية والتاريخية التفصيلية أو التخصصية، فلشيء من ذلك تؤثر فيهم كثيرا مشاهد ومسامع الحضارة الغربية الفائقة مقارنة بواقعهم المعيشي البائس من جميع النواحي، ويتساءلون عن جدوى “الاستقلال” السياسي الذي جعل هذا اليوم حالنا بعد عقود منه في حين كيف صارت أحوال “الخواجة” الآن.

أكثر من حالة التساؤل، أعلاه، في مراحلها البريئة، هنالك بين هذه الفئات المواطنة من يدلف لمرحلة النعي أيضا. وما نعنيه بالنعي هنا ما ورد في لسان العرب من معنى إذاعة خبر موت المرء مع ندبه أي تعديد محاسنه وإظهار الحزن على وداعه. حالة النعي هذه، في ظل الظروف الحالكة لبعض شعوب ما بعد الاستعمار، يمكن أن تجد مكانا مريحا وسط أعضاء الفئات المتعلمة وقليلة التعليم معا، إذ أن هؤلاء جميعا يمكنهم الاشتراك في تخيّل أن الأمور ما كان يمكن، على أي حال، أن تكون أسوأ مما هي عليه الآن بعد عقود من الاستقلال السياسي، وبالتالي فربما كان زمان الاستعمار، برغم ما هو معروف عنه من التسلط والاستغلال الأجنبي، أفضل في النهاية من الحال المعاصر البائس أقصى البؤس.

أعلم أن السودانيين ليسوا وحدهم في وجود هذه الظاهرة بينهم، وانتشارها في أحاديثهم ومفاكراتهم العامة، خصوصا مع زيادة أسباب التواصل مع العالم الغربي عن طريق الإعلام العولمي وعن طريق “المغتربين” ودورهم في تقريب الواقعين المختلفين – تقريبا ظاهريا فقط في أغلب الأحيان. لكن، بما أني سوداني، وبما أني بحكم ذلك مدرك ومعايش لتجليات هذه الظاهرة وسط السودانيين أكثر من غيرهم (بل وربما أكون طرفا منها أكثر مما أحب أن أتصوّر عن نفسي)، لذلك سأتناولها من زاوية رؤية افريقية عامة في معظم جوانبها ولكن لا تخلو من منظور سوداني خاص في بعضها الآخر.

الموقف المباشر
لنكن مباشرين: الاستعمار مشروع استغلالي قهري. هذي فحوى الاستعمار كظاهرة عامة. كل ما يتعلق بالخط المقصود للاستعمار يدخل عموما ضمن شروط تحقيق مصالح المُستعمِر أولا، بإرادة المستعمِر وموارد البلاد المستعمَرَة (الطبيعية والبشرية). لذلك فالعدالة الاجتماعية والاستعمار لا يلتقيا.

من الناحية الأدبية العامة، وعلى مدى التاريخ، لم يكن المعتدي يوما يبرر اعتداءه بإعلان الأهداف الأساسية، خصوصا حين تكون تلك الأهداف ببساطة حيازة السلطة والثروة من مجموعة أخرى. دوما تكون هناك سردية (narrative) ما، تسعى لشحذ ضمير الجماعة المعتدية وحمايته من تشويه نفسه بتلك الحقيقة الباهتة. بعد تبرير العدوان، وإذا نجحت عملية العدوان، تأتي مرحلة كتابة القصة التاريخية وتوثيق مجرياتها بعيون المنتصِر. هنا أيضا تستمر السردية المصنوعة مسبقا في تقفي آثار نفسها لتحاول أن تكون متسقة وشاملة، لا أن تكون بالضرورة حقيقية.

الاستعمارالأوروبي دخل إفريقيا بدعاوي التحضير والتنصير، فيما سُمّي حينها بعبء الرجل الأبيض (أي عبء تحضير بقية الأمم غير المتحضرة). تيدروس، إمبراطور إثيوبيا بين 1855 و1868، كان يقول “أنا أعلم حِيَل الحكومات الأوروبية. في الأول يرسلون المبشّرين، ثم قناصل لمساعدة المبشرين، ثم كتائب عسكرية لمساعدة القناصل.” يمكننا أن نضيف لقائمة الامبراطور، بعد الكتائب العسكرية، الصناعات الاستخراجية وامتصاص الموارد الطبيعية. دعاوي التحضير كانت في حقيقتها سردية تبرر للدول والشعوب الأوروبية لهفتها على ثروات إفريقيا. وبرغم أن سياسات الدول الاستعمارية كانت تتفاوت بين بعضها بعضا (فسياسة بريطانيا الاستعمارية لم تكن كسياسة فرنسا، وسياسة ألمانيا لم تكن مثلهما، وكذا سياسة بلجيكا والبرتغال، إلخ) إلا أن المعالم العامة للاستعمار الأوروبي لإفريقيا مشتركة.

بين التغريب والحداثة
حقبة الاستعمار الأوروبي لإفريقيا – والتي تنتمي لها الحقبة الكولونيالية في السودان – تتميز على بقية التاريخ البشري السابق بعاملين: هيكل الدولة العصرية والتفوق التكنولوجي الفارق.

بالنسبة لهيكل الدولة العصرية، فهو شامل متكامل، فيه تصميم أجهزة الحكم في المنطقة الجغرافية المحكومة، وسبل إدارتها، على درجة عالية من التفصيل، إضافة لموجهات واضحة بخصوص إدارة المجموعات البشرية قاطنة تلك المنطقة. هذا الهيكل أوروبي الصورة والنكهة، لأنه وليد تخلقات تاريخية تخص أوروبا. عُرِف هذا الهيكل بنظام الدولة الويستفالية، نسبة لمعاهدة ويستفاليا التاريخية والتي قامت بين عدد من الممالك الأوروبية عام 1648 أدت إلى وضع أُطُر عامة لتحديد سيادة مؤسسة الدولة ككيان جغرافي-سياسي، وعلاقتها بالوحدات الأخرى الشبيهة لها، وانتشر في أوروبا عبر القرن الثامن عشر. معاهدة وستفاليا نفسها كانت نتيجة لتاريخ متراكم طويل من النزاعات والحروب الدامية والقمع الشرس والاستغلال المزمن (كالاستعباد والعمالة المجبرة)، عاشته المجتمعات الأوروبية لفترات طويلة. لم تكن لمعاهدة ويستفاليا نفسها علاقة بقيم الديمقراطية والحرية والتنوير بل بتحديد حدود السيادة وتنظيم السلطات بين الأمم المتعاهدة، ولذلك كان كثير من الموقّعين على المعاهدة ملوكا وأمراء وسلطات كنسية، أي لم يكونوا ممثلي حكومات منتخبة شعبيا. أقام الاستعمار الأوروبي بعد ذلك بتعميم الهيكل على إفريقيا ومنها السودان، وهو هيكل يتميّز بمركزية عالية وبيروقراطية عالية وعسكرية عالية. قبل ذلك كان السودان عموما معتادا على أنظمة حكم يمكن تسميتها بكونفدراليات الحزام السوداني (كما سماها الكاتب محمود الزين في ورقته “هل تحقق السودان الجديد ديموقرافيا؟”، 2006)، حيث كانت هناك موازنة سياسية بين سلطنات ذات حكم لامركزي وعشائر داخلها تتمتع باستقلالية نسبية وفضاءات سلطوية أخرى تتحرك فيها الطوائف الصوفية وتنتظم عموما وفق علاقات اقتصادية منسّقة واتفاقيات عسكرية (مثل دولتي الفونج وسنّار). هذه الأنظمة لم تكن فقط في منطقة السودان المعاصر بل اشتملت مساحة كبيرة من إفريقيا. بدون الخوض في تفاصيل أنظمة الدولة والحكم قبل وبعد الاستعمار نقول إن هيكل الدولة العصرية الذي جلبه الاستعمار للسودان (التركي ثم الانكليزي-المصري) كان جديدا على مجتمعات السودان وخلق قطيعة تاريخية كبيرة بينها وبين أنماطها المحلية في الحكم. هذه القطيعة جديدة مقدارا ونوعا في عموم التاريخ البشري، وأوجدت نوعا من فراغ القدرات وسط الشعوب المحلية، إذ صارت محكومة بنظام جديد تماما يجعلها لا تستطيع إدارة حكمها المحلي وفقه لأنها لا تعرفه. بعد حصول الاستقلال السياسي كان لا بد أيضا للحكومات الوطنية الجديدة أن تتعرض لعثرات كبيرة وكثيرة في عملية استيعابها لصورة الدولة الجديدة “الويستفالية الإفريقية”، بحدودها الجغرافية وميزانيتها وأجهزتها المفروضة فرضا من الخارج.

أما عامل التفوق التكنولوجي الفارق فهو العامل الأكثر أهمية، لأنه يمثل أكثر شيء جديد على التاريخ البشري. من الواضح أن الأوروبيين لم يتمكنوا من احتلال إفريقيا نظرا لتفوقهم في القوة والشجاعة وفنون القتال وخوض الحروب الطويلة وكثرة العدد والعتاد (وهي العوامل التي كانت ترجح النصر في التاريخ القديم، ما قبل الثورة الصناعية)، إنما ببساطة لأن ترسانة الحرب التي أتوا بها – بنادق ومدافع وأجهزة اتصال ونقل عسكري – كانت متفوقة تفوقا فلكيا على ترسانات شعوب إفريقيا حينها. بعد الانتصارات العسكرية وطدت القوى الاستعمارية وجودها حيث جلبت معها بنيتها التحتية وتقاناتها المتنوعة – في العمران والمواصلات والكهرباء والطب الحديث والصناعات المتعددة والتقانات الاستهلاكية، إلخ – فأوجدت عالما جديدا موازيا لذلك العالم الذي عاشت فيه الشعوب المحلية قبل الاستعمار. ذلك التفوق التكنولوجي الفلكي في تلك الحقبة التاريخية نفسه ناتج عن عملية تاريخية طويلة ساهمت فيه حضارات عالمية عديدة عبر التاريخ (بالتراكم) إلى أن تبلور في ظروف معيّنة في أوروبا وانبثقت عنه الثورة الصناعية التي بدورها غيّرت علاقة الإنسان مع التكنولوجيا تغييرا شاملا لا رجعة منه. 

لذلك كانت الحقبة الكولونيالية تجربة مهولة للبعض، في السودان وغيره، لدرجة أنها أنتجت بعض المشاعر المختلطة، فهناك بعض أعضاء الشعوب التي تعرضت للاستعمار نراهم يقولون: كان للاستعمار حسناته وسيئاته، فهو رغم مشاكله الكثيرة إلا أنه أدخل شعوبنا في حقبة الحضارة المعاصرة والحداثة، ولولاه لكنّا نعيش الآن عصورا مظلمة. سبب تلك النظرة المتعاطفة مع المُستعمِر ليس بالضرورة ضعفا في الكرامة أو زهدا في المشاعر القومية أو نسيانا لمساوئ الاستعمار، إنما هو تشوش التمييز بين التغريب (westernization) والحداثة (modernization) بحسب وصف الدكتور علي مزروعي، الباحث الكيني المتفقه في شؤون التاريخ السياسي الإفريقي. التغريب هو مظهر الحضارة الغربية المعاصرة (المباني والطرق والعربات والكهرباء والمستشفيات وأجهزة الاتصال والإعلام، إلخ)، أما الحداثة فهي جماع التحوّلات الاجتماعية والاختراقات التكنولوجية والعلمية وفلسفات الحوكمة والقانون التي أنتجت ذلك المظهر. يصعب على من لم يولد في ثقافة مالكة للحداثة أن يستوعب الفرق بين التغريب والحداثة بصورة وافية، كما يصعب أحيانا تمديد الخيال لنتصور أننا – كشعوب كانت مستعمَرَة – كنا قادرين، عبر تطورّنا التاريخي المتصل، على أن نصل لصيغة اجتماعية وفلسفية وقانونية عامة تتوافق مع التحوّلات التكنولوجية والعلمية الهائلة بدون الاستعمار الأوروبي وبدون الهيمنة الأوروبية (أي نفس ما فعله البشر الأوروبيون لأنفسهم، فهم تطوّروا تاريخيا بدون تدخل أجنبي سافر، وكانوا في الماضي على درجات عالية من التخلف والشراسة والاستغلال فيما بينهم، مثل بقية المجتمعات حول العالم وربما أكثر). وبما أننا نفشل عادة في تمديد الخيال في ذلك الاتجاه فعلينا إذن مساومة الواقع، ثم نقول “كان للاستعمار حسناته وسيئاته”.

الإجابة القويمة عندنا إذن هي: الاستعمار مشروع استغلالي قهري بطبيعته، والاستغلال والقهر ليسا مناهج بناء أمم راسخة.

لكن القصة قصّتنا
لكن، وكما قال المؤرخ الغوياني والتر رودني، يمكن أن نقول إن هناك أشياء إيجابية حدثت في الحقبة الاستعمارية “برغم” الاستعمار وليس بسببه (أي لم يقصدها). لا يسعنا إحصاء تلك الإيجابيات إحصاء مسهبا هنا، لكن يمكن أن نقول إن الشعوب المستعمَرة تمخضت معاناتها من الاستعمار، ونضالاتها ضده، عن أفكار جديدة وروح عالمية جديدة ترفض القهر أينما كان والظلم أينما كان (فالشعوب المقهورة هي التي علّمت الأوروبيين تصورات العدالة العالمية والحقوق العالمية، لأن الأوروبيين ما كانوا ليصلوا لتلك النتيجة بأنفسهم لولا أن الشعوب المستعمَرة قاومت باستمرار فكرة استعلاء الأوروبيين على الآخرين)، وعن أفكار مزجت عصارة الماضي بصفوة منجزات الحاضر. كذلك، ورغم كل شيء، فإن الشعوب المستعمَرة لم تقبل باحتكار الأوروبيين للمعرفة والتكنولوجيا الحديثة لأن هذه حق مستحق للإنسانية جمعاء، لأنها نتيجة تراكمات تاريخية ومعرفية ساهمت فيها الإنسانية جمعاء (وكونها تبلورت في أوروبا في حقبة تاريخية حاسمة لا يعني أنها ملك لأوروبا، لأن التاريخ دولاب يدور وتتبدل فيه الأدوار عبر المراحل المختلفة).

على سبيل المثال لم يكن الهدف من السياسة التعليمية الاستعمارية سوى تأهيل عدد محدود من أولاد البلد (في تفضيل واضح للذكور على الإناث) ليكونوا مساعدين للإدارة الاستعمارية في إدارة البلد وتنفيذ مشاريعها فيها. لم يكن الهدف من التعليم الاستعماري خلق فئة من أولاد البلد مهيأة لقيادة حركات التحرر الوطنية ومتطلعة لمصالح شعوبها ومستعدة لمؤازرة ومعاونة بعضها بعضا عبر الحدود الاستعمارية، لكن ذلك هو الذي حدث برغم الاستعمار. لم يكن أيضا الهدف من تنظيم العمّال في مجالات الصناعات الثقيلة والمواصلات والمشاريع الزراعية الضخمة سوى تسهيل لوجستيات تلك المجالات الحيوية للاقتصاد الاستعماري، ولم يكن الهدف منها منح فرصة للعمّال المحليين لتكوين وعي جمعي بأنفسهم وأوضاعهم وقدرتهم على تشكيل ضغط على السلطات للحيازة على حقوق وامتيازات أكبر عن طريق نقابات وجمعيات العمّال، لكن ذلك هو الذي حدث في أكثر من بلد إفريقي برغم الاستعمار. لم يكن أيضا هدف الاستعمار من تعميم المعرفة بلغاته في إفريقيا (الانكليزية والفرنسية والبرتغالية بالذات) سوى تسهيل عملية الحكم والإدارة للأوروبيين أنفسهم، ولم يكن الهدف من ذلك فتح الباب للشعوب الإفريقية المتنوعة اللغات لأن تجد جسر تواصل بينها، هو نفس لغة المستعمر، لتكوين تعاطف وهوية وتجربة مشتركة فيما بينها لمقاومة المستعمِر نفسه (وبتواصل مع الأوروبيين الذين استيقظت ضمائرهم)، وللاطلاع على مصادر معارف المستعمِر أيضا لمنازعته فيها، لكن ذلك هو الذي حصل برغم الاستعمار.

لكن هناك جوانب محبطة أيضا تجسدت في فترة التخلص من الاستعمار وآثاره. في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، قال جوليوس نيريري، الرئيس الأول لتنزانيا، وبعد فترة من تركه منصب الرئاسة طوعا، قال إننا في افريقيا منذ استقلالنا لم يكن أمامنا خيار منطقي غير المزاوجة بين التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، وكان ذلك شعارنا كنموذج بديل في نضالنا ضد الاستعمار. ثم قال لو كنا نؤمن بأن التنمية الاقتصادية مستقلة عن العدالة الاجتماعية لفقدنا مبرر نضالنا ضد الاستعمار، فالاستعمار كان أفضل منا في تحقيق التنمية الاقتصادية ولكن بدون أي عدالة اجتماعية، فلم إذن نقاومه ونستنهض شعوبنا لمقاومته، إلا إذا كنا فقط – كصفوة إفريقية – ننوي أن نأخذ مكان المستعمر بدون أي تغيير في الهيكل؟ ثم قال يبدو إن معظم الحكومات الافريقية الجديدة نسيت أو تناست ذلك المنطق الواضح بعد حصول الاستقلال السياسي، فما كان منها إلا أن تصبح إعادة إنتاج باهتة للأوضاع أثناء الاستعمار، وبذلك أيضا صارت فريسة سهلة للاستعمار الجديد (الاستعمار الاقتصادي والثقافي).

هناك فراغات كثيرة في الصورة التي رسمناها أعلاه. فعلنا ذلك مراعاة لحدود المساحة المتاحة، إذ لا مجال للإسهاب ولا سبيل لغير كفكفة أطراف المكتوب. على العموم فإن حقبة الاستعمار في افريقيا عموما، وفي السودان خصوصا، ما زالت حقبة متصلة بحاضرنا، عبر حبل سرّي، لم يكبر السودان الحديث، الما بعد استعماري، كفاية بعد لنتعامل معه باستقلال عنها. ستون عاما ليست شيئا من عمر الشعوب، وتركة الاستعمار كبيرة ومعقدة، سياسيا واقتصاديا وثقافيا، ومشتبكة بإخفاقاتنا الخاصة أيضا. والحديث ذو شجون. 

———
(نُشِر هذا المقال، في مجلة الحداثة السودانية، العدد الثالث، سبتمبر 2016 – مع بعض التحرير الخاص بسياق المجلة)

رأي واحد حول “هل كان الاستعمار سيئا حقا؟”

  1. *تقرير مواطن رقم (1)*
    مقدمة عن: إختراق الأمن القومي في تقاطعات دولة السودان الإقليمية.

    إلى السادة/ مجتمعات دولة السودان…

    مرحباً…
    أنا علي مسعود…
    مواطن سوداني بسيط تسلسلت حياته بمراحلها المختلفة في ربوع ولاية الخرطوم، أود أولاً التملص والرفض التام لخطاب الهوية الشخصية إعلاءً لخطاب القومية، أو ما تبقى من القومية.
    -أود توجيه رسالة عامة لما ظللت أراقبه لسنين عدة، في مسائل نمو دولة السودان، وبالأخص نمو طبيعة العمل، أو النظام.
    -أود التأكيد أيضاً أن الهدف من هذه الرسالة محدد، وواضح، وهو غرض معرفي بحت، لا يهدف إلا بتقديم ما يمكن وصفه بالكلمات الأكثر شيوعاً في المجتمعات العلمية، ويمكن تلخيصه بأنها نموذج تقرير عام لتحليل قمت به في آخر عامين من حياتي، عن قضية “إختراق الأمن القومي” في دولة السودان، مع توضيح مفصل لأكثر الأوجه الحساسة والتي ستمثل حتماً خطراً واضحاً على كل من منطقة القرن الأفريقي، والشرق الأوسط، ووسط وجنوب أفريقيا، في مسألة تستحق التحليل العلمي المفصل لكل ما يمكن جمعه من بيانات نمو الإختراق ومعالجتها في أفضل نماذج حلول للإختراق، وهذا ما بني عليه هيكل هذا التقرير.
    -تكون هذا الرسالة تخصك فقط إذا كنت إنسان بشري فقط مسؤول من عمل ما في مؤسسة في دولة السودان وفقط إذا كنت تقرأ.
    -أولاً، يمثل مصطلح الأمن القومي مسألة مهمة في بناء أي دولة، كجزء من النظام الطبيعي الناتج من التجمع البشري والإتفاقيات بين الأفراد البشرية المشتركة الجيوسياسة، إذ أن الناتج من “عملية صنع إتفاق” بين أفراد المنطقة الجغرافية الواحدة هو تحديداً يعتبر الوحدة البنيوية ل”شبكة المجتمع”، وقد ثبت دوماً أن شبكات المجتمع البشري تأخذ نفس الإتجاهات في صنع الإتفاقيات البشرية وهذا ما نعرّفه بالنظام الطبيعي، لذلك فإن وجود إتفاقيات نمو للنظام الصحي مثلاً أو التعليمي أو القضائي هي إتجاهات نظم لا تتغير من مجتمع ما إلى آخر، مهما كانت الظروف تكون جميع هذه الأنظمة موجودة، ولكن تحت كمية، ونوعية مختلفة النمو من بقعة جيوساسية إلى أخرى، ويمثل مفهوم الأمن القومي أحد تلك الإتجاهات.
    -ثانياً، يعتبر مفهوم الأمن القومي مفهوماً مركب الإتجاهات، أي أنه يتكون من مجموعة من الإتجاهات للإتفاقيات، ولكل إتجاه كمية ونوعية، ونمو، كما أن الإتفاقيات البشرية يمكن تقسيمها إلى قسمين رئيسيين، إتفاق إستراتيجي، وإتفاق تشغيلي، وقد ثبت أيضاً أن تأثير كل من القسمين السابقين على النظام الطبيعي هو تأثير متعاكس، إذ تؤثر الزيادة في الإتفاقيات الإستراتيجية بالنمو في النظام الطبيعي، بينما تعمل الإتفاقيات التشغيلية على إبطاء أو تثبيط أو إخلال نمو النظام الطبيعي. عند تراكم الإتفاقيات التشغيلية لنظام الأمن القومي بأضعاف كمية ونوعية الإتفاقيات الإستراتيجية لنظام الأمن القومي لمجتمع ما، فإن هذا يسمى بالإنهيار أو الإختراق في الأمن القومي للمجتمع، وهذا ما يحدث في دولة السودان على مدى أكثر من مائة عام سابق.
    -ثالثاً، بإعتبار الأمن القومي بأنه النظام المجتمعي المتجه لحفظ أمان النمو البشري الجغرافي المتوازن لأمة قومية، فإن الكثير من الأنظمة الطبيعية لإتجاهات الإتفاقيات في المجتمع لها صلة ما بالأمن القومي، أو بمعنى آخر تعتبر مكوناً للأمن القومي، وتمثل أهمية هذا المفهوم قيمة محورية لكل الشعوب، خاصة المتقدمة، وبقدر الإهمال الإجتماعي والإقتصادي والسياسي لنظم الأمن القومي الإستراتيجية يكون قدر الإنهيار ومساحة الثغرات المفتوحة لإختراق الأمن القومي من المجتمعات المجاورة أو البعيدة.
    -رابعاً، ما حدث في دولة السودان على مدى مائة وعشرين عام سابق، يمكن وصفه بأنه إنهيار متسارع أو متزايد في نمو الأمن القومي، والذي صاحبه عدة إختراقات متذبذبة خلال العقود الطويلة، وهي كانت دوما المحدد للشدة والرخاء في نظم الحياة حتى عهد إنفلات الأمن القومي في آخر عشرين سنة. يمكن وصف السودان في العام 1900 بأنه إحدى مستعمرات دولة بريطانيا العظمى وبمساعدة دولة مصر، وقد تشكلت جذور مفهوم الدولة والنظام في هذا العهد، وقد شكل المستعمر نظاماً لإدارة مكونات الأمن القومي للمنطقة، وتم تشكيل المؤسسات الأولى وفق لهذا النظام، والذي يلحظ أنه لا يزال مستمراً في معظم المؤسسات تحت مسمى “العمل النقابي”.
    وفي أول عشرين سنة من القرن العشرين تم تهيئة جو مؤسسة السودان لسياسات المستعمر، والتي كان غرضها الأساسي هو إختراق الدولة، أو الدولة الوليدة بأيدي المستعمر، ويمكن أن تعتبر هذه الفترة التي تأسس فيها رأس هرم إختراق الأمن القومي لدولة السودان، وتعتبر جميع أنظمة المؤسسات التي أسست في تلك الفترة والتي تستمر بنفس أنظمة العمل، هي الجذور الحقيقة لإعاقة نمو الدولة السودانية. إستطاع المستعمر في الفترة الثانية من الإختراق والتي تمتد منذ عشرينات القرن العشرين وحتى بداية الخمسينات تأسيس معظم مؤسسات إدارة الأمن القومي للدولة، وبمعاونة النظام النقابي وبعض الطوائف والقبائل السودانية الأصلية، وقد زرع المستعمر في الفترة الثانية من الإختراق الأمني القومي أهدافه بأن يؤسس هيكل حوكمة هرمي في مجتمعات الدولة، قائم على التمركز حول أصغر بؤرة ممكنة من الإدارة، كمشابهة للنظام الملكي المطلق، ويبدو واضحاً إدراك المستعمر في هذه الفترة توجه العالم نحو التحرر ومنع سياسة الإستعمار فكانت فكرة تأسيس الهرم الأمني القومي هي أفضل بديل لأستمرار إختراق الدولة وسهولة الوصول والإتصال. وقد ساعد في ذلك كثيراً النظام التي تم عليه بناء مفهوم المؤسسة لدى وعي المواطن السوداني، وقد ركز المستعمر في هذه الفترة بمن عاونه من طوائف المهدية أو الميرغنية أو القبائل العربية أو غيرهم على ربط مفهوم إستراتيجية المؤسسة بالقوانين واللوائح دون غيرها من مكونات النظام، فأصبحت كل مكونات النظام الإداري من المؤشرات للقياس والسياسات ونماذج الخطط والتقارير لا تعتبر ذات أهمية إستراتيجية في العمل، وإنما يتم عملها بالشكل التشغيلي، أي بأقل قدر مطلوب من المعرفة وأعلى قدر من التطبيق اللاواعي، أي يمكننا القول أن عملية صنع القرار في المؤسسة ألزمت في عقل الموظف السوداني بأنها عملية تشغيلية، في مقابل عملية إتخاذ القرار المركزي كعملية إستراتيجية واعية.
    أدى تقديس القانون داخل أروقة مؤسسة السودان الوليدة آنذاك إلى نجاح المستعمر في إختراق الأمن القومي بأفضل طريقة ممكنة وترك وكيله المتمثل في دولة مصر للإتصال، في كارثة الفترة الثانية من إختراق الأمن القومي والتي يمكن وصفها بفترة الحضانة للإنهيار الأمني القومي في دولة السودان.
    إستطاع السودان في منتصف الخمسينات إحداث تغيير بسيط وشكلي في مؤسسة الدولة، وذلك بإحداث تغيير واسع في إدارة النظام البشري لرأس الهرم عبر الإدارة الذاتية، مع إستمرار النظم المعرفية ونظم التقانات نفسها في إدارة المؤسسات، وهذا ما أدى بالنهاية إلى إستمرار النظام بل وتقويته في الحوكمة عبر أهالي الدولة إتساقاً مع النمو العالمي، وتم تسمية ذلك بإستقلال دولة السودان والذي لم يكن سوى تغيير شكلي لنظام إختراق أمني قومي مستمر. ولوجود الإنهيار الأمني القومي الكامن في دولة السودان، فإن النظام البشري في بؤرة رأس الهرم الإداري تميزت بعدم القدرة على الإستمرار، إذ يأتي كل هرم بوضع إستراتيجية القوانين وإتخاذ القرار المركزي في مصاحبة الفشل في وضع إستراتيجية صنع القرار والتعامل معه بالشكل الآني أو المقتضي حل المشكلات فقط على أعلى قيمه، ما جعل كل نظم الأمن القومي للدولة قاصرة على الإدارة الواعية لصنع القرار، وناجحة في إتخاذ القرار المركزي. وقد إنتهت هذه الفترة بنشوء قوة خارج منظومة إدارة الأمن القومي تحمل خطة صنع قرار تشغيلية ذات قيمة أعلى قليلاً من خطط صنع القرار لإدارة رأس الهرم الأمني القومي، وقام نظام الهرم حينها بالتغيير الطبيعي للنظام نحو أعلى بدائل قيم ممكنة، والتي كانت القوة الخارجية، وبإحداث أقل تغيير ممكن في الأمن القومي نجح أول إنقلاب عسكري علي النظام البشري لرأس الهرم الأمني القومي في السودان دون أدنى تغيير في النظم المعرفية ونظم التقانات في تكرار لحادثة الإستقلال. وكان الإنقلاب العسكري السوداني في عام 1958 هو نهاية الفترة التي بدأت من إستقلال السودان في عام 1956م، ويمكن تسميتها بفترة الإختراق الأمني القومي الذاتي الأول لدولة السودان. توالت فترات التغيير في رأس الهرم الأمني القومي حتى ظهور جمهورية السودان الديمقراطية في عام 1969 بإنقلاب جعفر نميري، وقد إمتدت فترات الإختراق الأمني القومي الذاتي إلى ثماني فترات، أي حتى الإختراق الأمني القومي الذاتي الثامن، وقد تميزت هذه الفترة أيضا بكمون إنهيار الأمن القومي عشوائي التمظهر القصير، أي أن عدة تمظهرات تخللت إنهيار الأمن القومي في شتى مجالات المجتمعات، ولكن تميزت جميع الفترات بإستقرار وهمي في النمو.
    بدأ عهد جديد في جمهورية السودان الديمقراطية مع انقلاب العام 1969 والذي يعتبر التغيير التاسع في رأس الهرم الأمني القومي السوداني، بدأ عهد جديد في سلسلة إنهيار السودان إستمرت حتى ديسمبر عام 1985، وتمييز هذا العهد بإستقرار وهمي في رأس الهرم الأمني القومي مع إنهيار إقليمي واسع. إحتوى العهد الديمقراطي للسودان على أربعة تغييرات رئيسية في النظام البشري لرأس الهرم الأمني القومي السوداني، مع الإنهيار الإقليمي الأول الذي بدأ منذ فترة الإختراق الأمني القومي الذاتي الأول وحتى العام 1972 والتي اتصلت بكل من منطقة القرن الإفريقي ومنطقة وسط أفريقيا، بما يعرف بحرب الأنانيا الأولى في جنوب وبعض أجزاء الجنوب شرق من دولة السودان، وكان هذا ما نعرّفه بإنهيار سم الأفعى الأول للأمن القومي السوداني. وقد تميز هذا الإنهيار بإنعدام الأمن في مناطق واسعة من جنوب البلاد، بعمل ومشاركة كل دول الجوار للحروب والنزاعات، ويبدو أن رئيس المجلس الوطني لقيادة الثورة آنذاك أسهم بشكل مباشر في إنهاء فترة إنهيار سم الأفعى الأول في السودان.
    أما الفترة التي امتدت منذ عام 1972 وحتى عام1983 تميزت بفترة الإستقرار الوهمي الأول للأمن القومي أو فترة الكمون الكلي للإختراق والإنهيار الأول، وتميزت بإستقرار واسع في الأمن القومي للمجتمعات السودانية، مع إنهيار كامن ومتراكم في مناطق الجنوب مجددا نتيجة التهميش في صنع أو إتخاذ القرار.
    أدى ذلك إلى بدء فترة إنهيار سم الأفعى السوداني الثاني من العام 1983 وحتى العام 2005 باتفاق نيفاشا، ما يمكن وصفه بأوسع وأعنف إنهيار أمني قومي في تاريخ السودان، والذي سرعان ما أنهى عهد السودان الديمقراطي في عامين فقط من بداية الانهيار.
    بدأت جمهورية السودان الإسلامية منذ العام 1985 واستمرت حتى العام 2019 شاملة ما مجمله خمسة تغييرات في النظام البشري لرأس الهرم الأمني القومي السوداني، أي خمسة فترات إختراق أمني قومي إسلامي، وقد تميزت الفترة بنشوء الدكتاتورية المتفوقة في السودان، والتي حصرت تغييرات رأس الهرم الأمني القومي حول حلقة متصلة من الأفراد، في مؤشرات واضحة لوعي النظم البشرية لرأس الهرم الأمني القومي بمدى الإنهيار الأمني القومي الذي صاحب أطراف الدولة، ووعيهم بموقع السودان بين الأقاليم المختلفة في أفريقيا من دون هوية مركزية، فإستطاع عهد السودان الإسلامي حصر أفراد النظام البشري لرأس الهرم الأمني القومي في حلقة محددة من الأسر السودانية، بإرتباطات سياسية قبلية دموية، وقدرة على الوعي بالأقاليم ذات الإنهيار الكامن المحفز للنشاط، وقد ساهم النظام الإسلامي في الدولة على تنشيط وتحفيز الإنهيارات القومية حسب ما يخدم مصالح النظام للإستمرار العسكري وضمان الربح في تجارة الحرب لتقوية التنظيم الإسلامي السوداني، مؤدية بالنهاية إلى العديد من الإنهيارات المتزامنة أو المنفصلة في أقاليم الشرق والغرب والجنوب محدثة العديد من التغييرات في تركيب الدولة مثل إنفصال الجنوب 2011 أو في إنهيار رأس المال البشري كما في فترة إنهيار الأمن القومي بإقليم دارفور والمنطقتين. كان النظام الإسلامي بفتراته الخمسة كارثة على دولة السودان.
    توالت ثلاثة من النظم البشرية لرأس الهرم الأمني القومي السوداني قبل العام 1989 وقدوم جهاز البشير الإسلامية لإدارة الأمن القومي، وقد استطاع نظام البشير من إدارة فترة إنهيار سم الأفعى الثاني وإنهيار دارفور الأول الذي بدأ عام 2003 بنجاح تثبيت النظام البشري في الحلقة المرادة، وإنتهت فترتي الإنهيارين العظيمين في عام 2005 بإتفاق نيفاشا، والتي لم توقف الإنهيار الأمني القومي إلا ليبدأ من جديد في كمون استمر حتى عام 2011 بانفصال الجنوب وبداية إنهيار رأس هرم السودان الأول.
    بدأت فترة إنهيار رأس هرم السودان الأول منذ العام 2011 وحتى العام 2019 والتي تميزت بأشكال جديد من إنهيارات الأمن القومي، حيث أصبح الإنهيار الأمني ذو تأثير واضح في هياكل الدولة، وفي جميع المؤسسات التي بنتها أنظمة الحكم، وبدأ السودان يدخل فيها مرحلة إنهيار لقدسية القوانين للمؤسسات مع إنعدام البديل الإستراتيجية، أي أن دولة السودان صارت بلا إستراتيجية حتى في إتخاذ القرار.
    ثم يدخل السودان فترته الحالية بعد الإختراق الأمني القومي الذاتي التاسع عشر منذ تأسيس مؤسسات السودان، في مرحلة يتمظهر فيها الإنهيار للأمني القومي بأعلى صورة ممكنة رغم محاولة رأس الهرم من تثبيط تحفز الإنهيار والذي أصبح ذاتيا بشكل متسارع ويصعب التحكم فيه.
    -خامساً، لذا عند تناول مسألة دولة السودان، لا ينفصل أي تجذر في كل من الإختراقات التسعة عشر والإنهيارات الأمنية القومية المذكورة في هذه الرسالة أو التي سيتم تفصيلها لاحقاً هي جذور ما نسميه “بالقومية الضائعة” وسط اختراق الأمن القومي في التقاطعات الثقافية لدولة السودان مع الأقاليم المجاورة الأفريقية والعربية، ما تثبته هذه الإنهيارات والإختراقات الأمنية القومية المتواصلة هو تجذر المشكلة في بنية الدولة، وفي عدم الجدوى من محاولة إثبات مركزية الهوية السودانية كنظام بشري يمكن تقديسه، بدلاً من تعزيز الإتصال المباشر مع كل من الثقافات المجاورة للدولة عبر تقوية نظام المؤسسة للوصول أعلى صورة حسنة في إدارة صنع قرار الأمن القومي للبلاد.
    -سادسا وأخيراً، سأقوم بالتفصيل في رسائل أخرى عن الإتجاهات المكونة لمفهوم الأمن القومي في السودان، وتتابع لتحليل إختراق وإنهيار الأنظمة المكونة للأمن القومي في خلال المائة وعشرين سنة الأخيرة فقط، مع مقارنة لنمو النظم المعرفية والتقانة المتباطئ في وجه إختراق الأمن القومي. وقد قمت بإختيار 64 إتجاه لتحليل إختراق الأمن القومي في السودان، هي:
    1/ نظام التنمية في السودان.
    2/ نظام الحوكمة في السودان.
    3/ نظام الإنتاج في السودان.
    4/ نظام إنتاج الهوية السودانية.
    5/ نظام شراكات السودان مع الدول الأخرى.
    6/ نظام سكان السودان.
    7/ نظام أنشطة الحكم في السودان.
    8/ نظام موارد دولة السودان.
    9/ نظام علاقات الحكم بالسكان في السودان.
    10/ نظام الإتصالات في السودان.
    11/ نظام حركة ونمو التكاليف في السودان.
    12/ نظام الإيرادات السودانية.
    13/ نظام المراقبة والتقييم في السودان.
    14/ نظام الإدارة التنفيذية في السودان.
    15/ نظام الإتصال الداخلي لمؤسسات السودان.
    16/ نظم المحاسبة في المؤسسات السودانية.
    17/ نظام رأس المال البشري في السودان.
    18/ نظم إدارة العمليات المنتشرة في السودان.
    19/ نظم القياس والمعايير والمواصفات في السودان.
    20/ نظام رأس الهرم الأمني القومي السوداني.
    21/ نظم سياسات صنع القرار السوداني.
    22/ نظام نماذج التخطيط الإستراتيجي والتشغيلي في السودان.
    23/ نظام التشغيل والتطبيق للخطط في السودان.
    24/ نظم التقارير في مؤسسات السودان.
    25/ النظم البشرية في مؤسسات السودان.
    26/ نظم المعلومات المعرفية في المؤسسات السودانية.
    27/ نظم التقانات في السودان.
    28/ نظام قيادة الفريق في السودان.
    29/ نظم إدارة المجموعات في السودان.
    30/ هندسة نظم صنع القرار في السودان.
    31/ نظم اللغة والمصطلحات في طبيعة العمل السودانية.
    32/ نظام إدارة التخصصية في أعمال السودان.
    33/ نظم إتخاذ القرار المركزي في السودان.
    34/ نماذج المؤشرات السودانية.
    35/ نماذج القوانين السودانية.
    36/ نماذج البرتوكولات السودانية.
    37/ النمذجة في السودان.
    38/ نماذج التقارير في السودان.
    39/ نظم الإتفاقيات في السودان.
    40/ نظم البرامج في السودان.
    41/ نظم المشاريع في السودان.
    42/ نظم العمليات في السودان.
    43/ نظم البرتوكول اليومي للسودان.
    44/ نظم القرارات في السودان.
    45/ نظام الأمن والسلام في السودان.
    46/ نظام صحة النمو للسكان والعمل في السودان.
    47/ نظم التطوير والتقدم في أداء السودان.
    48/ نظم ميكنة الأعمال والمعلومات في السودان.
    49/ نظام الإتصال بالمجتمع العلمي في السودان.
    50/ نظم ترتيب البيانات في السودان.
    51/ نظم تحليل البيانات في السودان.
    52/ نظم معالجة البيانات في السودان.
    53/ نظم نمذجة المعلومات في السودان.
    54/ نظم تطبيقات البيانات في السودان.
    55/ نظام العولمة في السودان.
    56/ نظام الفاعل والفعل لمؤسسة سودانية.
    57/ نظم المعالجات والتفاعلات المؤسساتية في السودان.
    58/ نظام المتأثر والأثر بين مجتمعات السودان.
    59/ نظام الأدوات والوسائل في السودان.
    60/ نظام إدارة المهام في السودان.
    61/ نظام القيم المقاسة في بيئة العمليات في السودان.
    62/ نظم الصحة العامة والنفسية في السودان.
    63/ نظم التعليم العالي والمدرسي في السودان.
    64/ الفترة الإنتقالية السودانية 2019 (إختراق الأمن القومي الذاتي التاسع عشر)

    ودام السودان وطناً يسع الجميع ولا ينضب…

    مع تحياتي…

    علي مسعود
    5 ديسمبر 2020
    الخرطوم، السودان

    رد

أضف تعليق