دور حوكمة التنمية في التحول الديمقراطي، وتاريخ السودان في المجال

تفيد دروس التاريخ، في ما يتعلق بالحروب الكبيرة، أن التفكير الجاد في ما بعد الحرب، أثناء الحرب، بتدقيق وبُعد نظر، وبذل تصوّرات يمكن الالتفاف القوي حولها، جزء من إنهاء تلك الحروب نهايات حقيقية. فالحروب الكبرى انفجارات تأتي جراء تراكمات، وتلك التراكمات لا تذهب بمجرد أن تضع الحرب أوزارها إنما ينبغي أن تعالج في مكامنها، وإلا انفجرت مرات أخرى وربما بأبشع مما قبل. على سبيل المثال، ما سُمّى بالحرب العالمية الأولى، كانت ضخمة ومهولة وغير مسبوقة، بمعايير التاريخ وقتها، ورغم فظائعها وخساراتها المهولة، تم إنهاؤها على أي حال؛ ثم سرعان ما اتضح بعد وقت وجيز أنها كانت ‘بروفة’ وجذوة لحرب أكبر منها وأطول منها – ما سمي بالحرب العالمية الثانية – بخسائر أضعاف في الأرواح وفظائع أوسع وأكثر إيلاما، ومعها فترة طويلة من الانهيارات المتلاحقة والحروب المشتقة؛ ذلك لأن عوامل الحرب الأولى لم تُعالَج، بل أنهُيَت فقط بكفكفة أطرافها…. ومن لا يتعظون بالتاريخ كيف يؤتمنون على المساهمة في توجيه مصائر المجتمعات نحو الأفضل؟

الفعالية التي تمّت بعنوان “حوكمة التنموية من أجل التحول الديمقراطي: سودان ما بعد الحرب والمسارات المستدامة”، استندت على خلاصتين عامتين، كما رافعت عنهما. الخلاصة الأولى هي أن التحول الديمقراطي في سودان ما بعد الحرب يتطلب التنمية كشرط أساسي، وكأولوية من أولويات العمل، لأن مكامن الحرب موجودة في جملة المظالم والظلامات التنموية التي عاشتها مجموعات كبيرة وأغلبية من شعوب السودان حتى لحظة اندلاع الحرب، وأن تلك الأولوية تحتاج للتفكير الجاد، الواسع، والمسنود بالبراهين، منذ الآن، حول حوكمة التنمية وضوابطها ومواضيعها الكبرى. والخلاصة الثانية هي أن ذلك التفكير الجاد ينبغي أن يكون مبذولا لجملة أهل الشأن – السودانيين – بالمعلومات الوافية والحجة المتماسكة، لكي يتداولوه ويحتكموا فيه، حتى تخرج تجسيدات قراراتهم في شأنه وهي ذات طابع تشاركي وواعي في عملية اتخاذ القرار، ثم تنفيذه، عبر الآليات المناسبة.

لذلك سعت الفعالية لأن تكون مختلفة عمّا صار مكررا حولنا، من الفعاليات التي تشبهها في بعض المسميات واللافتات. جملة المشاركين أتوا للفعالية بأوراق معدّة لها، باللغتين، وهم في مواضيعها أصحاب بحوث سابقة وخبرة عمل ميدانية، ثم نوقشت بواسطة بقية المشاركين بتداخلاتها مع المسائل الأخرى تحت نفس الموضوع، وسُجّلت وكُتِبت بحيث تكون مخرجاتها مبذولة للجميع، وتكون مساهمة في دفع النقاش الجاد الذي يخاطب القضايا في مستواها–ليس بسرد الأحلام والأماني وإنما بمقومات الدراسة والتخطيط. قُدّمت سبعة أوراق، مع مساهمة نقاش مخصصة لإحدى الأوراق المحورية، ومع فقرات نقاش لكل ورقة، ثم فقرتين تفاعليتين بمخرجات مكتوبة، كما كانت هناك كلمة افتتاحية، من المنظمين، توضّح السياق الذي قامت فيه الفعالية وتتناوله بشفافية ووضوح، للنشر الإعلامي.

قامت قناة سودان بكرة بتنظيم فعالية المائدة المستديرة، وبإدارتها لوجستيا وإعلاميا، وقامت مجموعة الباحثين بمركز استناد بإدارة المحتوى وتنظيم الأوراق، مع إعداد الأوراق بصحبة آخرين من ذوي المعرفة والخبرة. شملت قائمة المشاركين باحثين/أكاديميين وصحفيين وفاعلين في أجسام سودانية محلية، مطلبية وسياسية، وفي مبادرات ومنظمات سودانية متعلقة بالتنمية والديمقراطية.


بقية التسجيلات موجودة في الرابط (بالضغط هنا)

 

أضف تعليق