مؤخرا، مرّت علي مقالات وكتابات – أو مررتُ عليها – تتناول الصورة النمطية عن “الرئيسة/المديرة الأنثى”
myth of the female boss
والتي تقول إن النساء حين يجدن أنفسهن في مواضع سلطة، في المجال العام، فإن هنالك صورة نمطية تنطبق على معظمهن في تلك الحالة: وهي أن المديرة الأنثى لا تتحمّل أي نقد، ولا تغفر في الخلافات، وتشدد على الموظّفين أكثر من معظم الرؤساء الذكور، وتتعامل مع أي طموحات في التطوّر عند من يعمل ضمن فريقها بأنها تهديد لمكانها، إذ أنها لا تشعر بالثقة والامان في منصبها وقدراتها (ما مالية مكانها). باختصار، المديرة/الرئيسة الأنثى مزعجة ومكروهة في أغلب الحالات.
بطبيعة الحال، الردود العلمية والموضوعية، الإحصائية والاستطلاعية، متوفرة في الرد على هذا التنميط. والخلاصة الموضوعية العامة هي أن المدراء إما جيّدون وإما سيئون، وهم يتوزّعون بين الرجال والنساء بدون أي نمطية تتعلق بالجنس. كذلك فجميع الصفات التنميطية المذكورة أعلاه تتوزّع بينهم، أو تقل، بدون تمييز جنسي. بيد أن الكثير ممّن لا يريدون التسليم بالواقع الموضوعي دوما يعودون للحكاوي الخاصة، سواء عن تجاربهم هم أم تجارب أصدقائهم أو أقربائهم، ليثبتوا أن هنالك تواترا يفيد بمصداقية التنميط.
خطرت لي مراجعة تجربتي الشخصية مع المديرات والرئيسات، في مستويات متعددة (كمرشدات أكاديميات، وكرئيسات مباشرات وغير مباشرات، وكقائدات مشاريع ومبادرات شاركتُ فيها؛ بعضهن أكبر مني بفارق كبير، وبعضهن أقرب لي في السن، بل أحيانا أصغر مني سنّا). لا يضير مشاركة خلاصاتها العامة.
حاليا، يمكنني أن أقول إن أفضل تجاربي مع المدراء والرؤساء كانت مع إناث. معهن كانت هنالك مساحة للنقد والتداول أكثر، وثقة كبيرة، ومهنية عالية، ومقدار قليل من الحزازات التي تحصل من الاشتباكات المعتادة في بيئات العمل؛ وحتى حين يحصل الخلاف فإنه في العادة لا يدوم، إذ التعامل المحترم والنقد الذاتي والمتبادل ينقذان الموقف. أكثر من ذلك، حاليا أجد أن امتداد العلاقة الإنسانية مع مديراتي ورئيساتي، السابقات والحاليات، أقوى من امتدادها مع المدراء والرؤساء الرجال. أكثر من ذلك، أجد نفسي مدينا لهن في مسيرة تطوري الأكاديمي والمهني بشكل واضح، فلقد تعلّمت منهن الكثير وأفادني في مسيرتي. ولقد تنوّعت خلفياتهن كذلك، فبعضهن عالمات في العلوم الطبيعية، وبعضهن عالمات في العلوم الاجتماعية، وبعضهن مهندسات، وبعضهن إداريات.
وكان يكفيني أن أقول إني لم أجد أي فرق في التعامل، بين الذكور والإناث، لكن الواقع أن تجربتي الشخصية غير ذلك–لعلها مختلفة من المتوسط، لسبب من الأسباب. لا يعني ذلك أن تجاربي مع المدراء الذكور كانت كلها سيئة، بل عدد منها كان طيّبا وما زال.
من الناحية العامة، أفضّل العلاقات الأفقية، في العمل العام والخاص، وهي أقرب لأوضاع التمدّن والعدالة، ولكن وبما أننا نعيش في عالم مليء بالعلاقات الهرمية فالمقارنة مفتوحة. ولعل نمطية “المديرة الأنثى” هي فقط نبوءة تحقق نفسها: أي حين يتعامل المرؤوس مع رئيسته بطريقة ما، مستندة على افتراضات ما، فإنه يحصد ثمار طريقة تعامله. إن كان يتعامل باحترام ونديّة فإنه مؤهل لتلقي الاحترام والنديّة جزاء وفاقا، وإن كان يتحدى سلطة الرئيس، بسبب افتراضات مسبقة، فإنه سيتلقى المعاملة التي تؤكد هذه السلطة.
والحديث ذو شجون….