بين الأنساق الكبرى والتفاصيل

النظر للأنساق الكبرى (الصورة الكبيرة) يحجب التفاصيل.
والنظر للتفاصيل يحجب الأنساق الكبرى (والتفاصيل التي في العوامل الأخرى).

ولكل “منظور” أهميته، فعلى سبيل المثال، كما قال نسيم طالب، إن النظر لتفاصيل ألوان عيون الناس وانت تقطع في الطريق سيذهلك عن الانتباه للشاحنة الهادرة نحوك؛ وفي الجانب الآخر من السهل جدا الانشغال بالتفاصيل في مسألة ما عن الصورة الكبيرة (وهذه يكاد يكون معظم الباحثين في العلوم والدراسات الانحصارية، في العصر الحديث، متورطين فيها).

أيضا فإنه من المتعارف عليه أنه بدون الانحصار في مجالات بعينها لا يحصل التجويد (أو يكاد لا يحصل) كما أن تراكم المعارف وتوسّعها يتطلب التعمق وإحداث الاختراقات في مضمار بعينه، الأمر الذي يتطلب تخصيص الجهد والطاقة لذلك المضمار وإلا استعصى التعمق والاختراق؛ ومن الناحية الأخرى فإن النقلات الكبرى في المجتمعات البشرية والنماذج الإرشادية (الباراديمات) في شتى وجوه النشاط البشري، لا تحصل بدون تحوّلات في الأنساق الكبرى – أو في فهمها – حيث تتداخل عوامل ومضامير وتحركات واحتمالات عدة، لا يراها ولا يستطيع توجيهها إلا من يعكفون على الصورة الكبيرة، لا التفاصيل، ومن لديهم ملكة العناية بتلك الصورة الكبيرة، و”الصبر” عليها، فهي من أكثر الأشياء إرهاقا للعقل البشري، الذي يميل تلقائيا للعادة وللاحتماء والاكتفاء بالتجربة الضيقة.

جلّ التاريخ البشري لم يشهد سوى قلة قليلة من العقول التي استطاعت أن تتحرّك بنفس القدر من الدربة والعناية في المستويين: الصور الكبيرة والتفاصيل المتنوعة (إحداها أو بعضها)؛ وينبغي أن يزيدوا. عددٌ من هؤلاء لعب أدوارا محورية، في مراحل مفتاحية، في مسيرة البشر على هذا الكوكب؛ بعضهم اشتهروا، وآخرون اقتضى دورهم البُعد عن الأضواء.

عن أمثال هؤلاء يجوز القول “هم ملح الأرض، عُرِفوا أم لم يُعرَفوا.”


[image source: https://youtu.be/bETs6Fbr5dY]

أضف تعليق