الثورة وسيناريوهات العبور: السودان كحالة

تُعتبَر هذه المقالة مواصلة للمقالة السابقة (متى تثور الشعوب: السودان كحالة). وتتكون من فقرات، مأخوذة في مجملها من مشاركات نُشرَت، في وسائط محدودة، في الفترة ما بعد نشر المقالة الأولى والآن. بعض محتوياتها أقدم لكن تم التصرف فيها قليلا للتضمين في هذا النص الجديد نسبيا. والغرض عموما من هذا التمديد على ما ذكرناه سابقا هو المزيد من استيضاح الرؤية المتعلقة بتجليات الثورة ومآلاتها. لذلك، بينما تتعلق الكتابات بحالة السودان تحديدا، لا تخلو من إشارات ودروس من ظاهرة الثورات عالميا، وإليها كذلك.

(1)
نبدأ بالخلاصة
“قد تمضي الأمور إلى الأسوأ قبل أن تمضي إلى الأحسن”
”Things may have to get worse before they get better”

ثم نقول:
نعي أن كل ما نقوله هذه الأيام – حتى التعليق الساخر، الكوميدي، ووليد لحظات الانفعال – ينبغي وزنه قبل التفوّه به؛ ليس فقط لأن ما نقوله في المراحل التاريخية الحرجة نادرا ما يحط على أرض محايدة (حيث لا معنى للحياد ولكن ربما يرى البعض أن لا ضرر)، فهو إما يكون مع الجانب الصحيح للتاريخ أو ضده، إنما الأمر كذلك لأن بعض الكلمات قد يكون لها أثر، ولو قليل، على معادلة الحراك العام – بقصد أو بغير قصد. لأجل ذلك نقول ما نقول وشعور المسؤولية يملأ المناخ.الثورة الشعبية هذه أثبتت قدرة الشعب السوداني على الاغتسال من أدران حقبة كبيرة شوّهت كثيرا من معالمه التي يعتز بالانتساب لها، والثورات عموما تتجلى أكثر ما تتجلي حين تأخذ صفات النقيض الأخلاقي لكل لما تمثله السلطة. لكن لا ينبغي خداع النفس: الأدران أعمق من الجلد بكثير ولا تغسلها أيام معدودات، علاوة على أن هنالك أدران وإخفاقات قديمة كانت هي التي تبلورت وأنتجت حقبة الكيزان. وكما قال عبدالله بولا في “شجرة نسب الغول”: “أتى هؤلاء [أي  أهل الغول الإسلاموي] من كل ثقب ومن كل شرخ في جدران البناء الوطني الحقوقي والثقافي” الذي هو ميراث واسع ومتجذّر في منظومة السلطة والثروة في السودان، ومُشرْعَن بواسطة الثقافة.حماس الثوّار يؤدي أحيانا لاستصغار بعض جبال الجليد التي يقبع معظمها تحت سطح المدى المنظور. إحدى المنعطفات المهمة في تاريخ السودان الحديث، والتي استبانت فيها مواقف ومعادن أناس كثيرين، كانت أحداث ما بعد انتفاضة أبريل 1985؛ مثل ما حدث حين وصف جون قرنق الحكومة الانتقالية بـ”مايو 2″ وامتنع عن قبول الصفقة السطحية التي عرضها عليه الائتلاف الذي شكّل الحكومة الانتقالية في الخرطوم. تلك اللحظة أبرزت مفكرا سياسيا سودانيا جبّارا، كما أبرزت نموذجا لصور استغلال النخبة “للثقوب والشروخ” في البناء الوطني كيما تعيد إنتاج نفسها وتحافظ على عموم سلطتها مع تغير الأوضاع. ورغم أن بعض الناس لا يزالون ينتقدون موقف قرنق ذلك، بعد أن أوضح التاريخ مرارا مشروعيته، إلا أن ما كان واضحا وقتها لقرنق ينبغي أن يكون اليوم أوضح لمعظمنا: تلك الحكومة الانتقالية تشكلت من نفس المنظومة العامة التي استندت عليها مايو عبر سنواتها؛ وما نعنيه بالمنظومة ليس تنظيما معيّنا أو حتى تنظيمات فحسب، بل سمة عامة، ورموز عامة، في ارتجال السياسة السودانية في المركز وتوارثها بما يضمن استمرار مقومات السلطة والثروة والثقافة السودانية في أيدي قليلة معروفة. لو كان جون قرنق انضم لذلك الائتلاف لكانوا امتصوا جلّ طاقته الثورية، وجلّ عتاده المعارِض، وجلّ مصداقية قضيته، مقابل حفنة من تسويات سطحية يمكن إلغاؤها لاحقا–كما فعل الكيزان لاحقا بأي حركة معارضة مسلحة قبلت “الانضمام للحكومة”.واليوم، رغم كل العمل البطولي الذي تقوم به الجماهير والجهات غير الحزبية، لا يظن أن سيناريو “الإنقاذ 2” غير ممكن إلا غافل. وهذا سيناريو، لو قُدِّر له أن يتحقق، فستتأجل طموحات الشعب في العبور نحو دولة المواطنة والتنمية. ستتأجل لبعض الوقت لأنها ستأخذ تحويلة طريق (detour)، قد يجعلها تمر بمراحل كنّا نتمنى أن لا نراها، مثل ما يُعرَف بسيناريو شرق افريقيا – ولن أتحدث عن هذا السيناريو كثيرا الآن؛ فقط أقول إنه يتضمن حربا أهلية ممتدة أخرى – قبل أن تعود إلى طريق العبور.يقول الأستاذ محمود محمد طه إن “التجربة التي لا تورث الحكمة تكرر نفسها”، مع اعتبار أنه ليس هنالك في سنة التاريخ تكرار يطابق تكرارا. كل تكرار متميّز. وهذا القول ليس قول من يريد هذه السيناريوهات للشعب، بل العكس، لكن، وكما عبّر محمد جلال هاشم في إحدى تعبيراته، إن على الناس أن لا تظن أن قارئ الأرصاد الجوية يحكي للناس الاحتمالات القادمة – إن كانت غير مشرقة وسعيدة – لأنه يتطلّع لها شخصيا كذلك، بل هو يحاول تهيئة الناس للاحتمالات الكبيرة حتى لا تأخذهم غرّة.

رغم كل هذا الجمال الذي نشهده هذه الأيام، من بسالات الثورة الشعبية ومثالياتها العالية، إذا لم تؤخذ بعض القضايا الجوهرية في الحسبان، أخذا جادا، فقد تمضي الأمور إلى الأسوأ قبل أن تمضي إلى الأحسن.

(2)
هنالك أسباب هيكلية، سنفصلها هنا، تجعل طول الفترة الانتقالية مهمّا من أجل الوصول لعملية مستقرة وراشدة في مؤسسات الحوكمة؛ خصوصا إذا كنّا ننشد نظام حكم ديمقراطي. (باختصار: 4 سنوات، أو أقل، لا تكفي، ما دمنا نعرف معطيات الواقع وحجم التدهور الهيكلي الذي على الشعب أن يحتويه ويعكس اتجاهه. التاريخ يقول إن الذين لا يحترمون متطلبات الزمن بما يكفي لن يحترم الزمن مجهوداتهم، جزاءً وفاقا).هذا من الناحية الهيكلية، فيما يخص هذا الأمر، وهنالك ناحية فكرية كذلك.. ناحية وعي. الجماعات الإسلاموية التي تبرأت من النظام الحالي في السودان مؤخرا، إثر تصاعد أحداث الثورة الشعبية، يتحدثون هذه الأيام عن أهمية الحوار الديمقراطي في مرحلة العبور وما بعدها. وتلك قولة حق (ولا أقول أريد بها باطل، فقط أقول أريد بها باطل نسبيا، فبعضهم يعنيها حقا – وهؤلاء فيهم أمل – وآخرون منهم يستعملونها كوسيلة إلى غاية، سنوضحها أدناه). الشيء الذي ينبغي أن نفهمه كأساسيات هو أن المنابر الحرة كانت دعوة الفئات المعارضة، غير الإسلامويين، لفترة طويلة، ولهذا فهي ليست أمرا جديدا عليهم حتى يذكّرهم بها الإسلامويون؛ بل المعروف أن الإسلامويين هم أكثر من حارب المنابر الحرة طيلة فترة صعودهم إلى السلطة إلى أن قضوا عليها بعد قبضهم زمام السلطة.باختصار، الإسلامويون هم أقل الناس خبرة في المنابر الحرة اليوم، لكنهم للأسف كذلك حرموا الآخرين من تطوير خبراتهم بها كذلك بصورة وافية. ولذلك فنحن بحاجة لفترة زمنية كافية تزدهر فيها المنابر الحرة ويتم فيها تمحيص جميع الرؤى والمشاريع السياسية والاجتماعية والثقافية في السودان، لتمييز القاصر والمتكامل منها، وتمييز الضار والنافع، وتمييز الواقعي والافتراضي، إلخ. 4 سنوات لا تخدم غرضا كهذا، لأنه خلال 4 سنوات لا يتطور وعي أي شعب بصورة ملحوظة (بصورة عابرة).(وكل هذا لا يعني أن الطروحات الاجتماعـ/سياسية لم تتطور في السودان، بل تطورت نسبيا، وحتى الإسلامويون تطوّر منهم أناس – خصوصا بعض الشباب المستنير منهم الذين لم يشاركوا حقا في مكائد جيل الإسلامويين السابق لكن استفادوا مما ورثوه من امتيازات بسبب ذلك؛ وبعض تلك الامتيازات التي ورثوها كانت حظوات تعليم وحظوات حرية نسبية اكبر من غيرهم في تعاطي الأفكار الأخرى – لكن هذا التطوّر ساق معظمهم اليوم لمحاولة الخروج من جلباب الإسلامويين المألوف، بصورة نسبية أو كاملة، وذلك خير. أما بقية الطروحات الاجتماعـ/سياسية في السودان فتطوّرت نسبيا بفعل الضغط لا البراح، والتطوّر في ظروف الضغط أفضل منه التطور في ظروف الانفتاح، لكن لكل مقام مقال).دعوني إذن أقولها باختصار وتبسيط شديد (قد يبدو اختزالا هيّنا، لكن تفصيله متوفّر): الإسلامويون (والطائفيون) الذين ما زالوا يطمحون بالازدهار في حقبة المنابر الحرة بنفس مشروعهم الإسلاموي النظري (وكذلك الطائفي)، يطمحون في ذلك بسبب خلاصة بسيطة–أن الشعب السوداني عموما شعب متديّن في أغلبه (رغم كل ما رأى من تجّار الدين) وما زال بالإمكان أن يقال له، في منابر حرة، إن المسلمين عليهم أن يحتكموا إلى الإسلام في كل أمور حياتهم، وبالتالي فعلى الشعب السوداني أن يختار الحكم الديني بإرادته الديمقراطية، وهي الإرادة التي لن يجد أصحاب المشاريع المعارضة للإسلامويين بدّا من قبولها باسم الديمقراطية.هذه حيلة الإسلامويين باختصار، لكنها حيلة من لا يفقه دور المنابر الحرة فعلا، فهم لم يجربوها حقا. يظنون المنابر الحرة مساحة لطرح الفرضيات العامة الفطيرة كهذه بدون امتحان. لا يدركون أن سيكون هنالك امتحان عسير لهم، أمام جموع الشعب، في هذه الفرضية نفسها: هل فعلا على المسلمين في هذا العصر أن يختاروا الحكم الديني حتى يحفظوا دينهم ومسؤوليتهم الدينية أمام الله في إطار الدولة العصرية؟ هل فعلا ليس هنالك جديد في هذه الفرضية أو تحدي لها، يكون اكثر مواكبة لمعطيات العصر ومتطلبات المسؤولية أمام العباد، ويستطيع مخاطبة وعي الجماهير وتطويره مع الزمن؟ وهل فعلا الديمقراطية هي فقط رأي الأغلبية باختصار، أم هنالك قواعد دستورية، هيكلية وفلسفية، تصون حقوق الأقلية بمعايير المواطنة والتنمية العادلة؟

الإسلامويون لا يفهمون بعد أن المنابر الحرة ستكتب نهايتهم، عن طريق رفع وعي الشعب (بدون أن يخسر الشعب طابعه المتديّن، وقيمه الأخلاقية المفعمة بالروح، وموارده العرفانية الأصيلة).

منذ عقود ماضية، قال الأستاذ محمود محمد طه عن جماعات الإسلامويين، بشتى تفريعاتهم، اختصارا: ‘ازرعوهم في أرض الحوار يموتوا موت طبيعي’.

وفي الوقت الذي استفادت فيه، نسبيا، بقية التيارات الفكرية المنافسة للإسلامويين في أقلمة أنفسهم مع دروس التاريخ وسياقات الشعوب، لم يتلق الإسلامويون تلك الدروس لانهم حجزوا أنفسهم عنها بالسلطة. الشيوعيون مثلا – والذين كانت فيهم نزعات شمولية سابقة من تجاربهم السلطوية – تعلموا من العقود الأخيرة (عالميا وفي السودان كذلك) تقليم أظافرهم والمراهنة أكثر على بناء الوعي النقدي للجماهير (وقد كانوا من قبلُ يراهنون على الوعي لكن كان إيمانهم بالديمقراطية نفسها أضعف عمليا، أما الآن فقد تطوّروا). الإسلامويون ما زالوا يظنون أنهم يستطيعون اليوم – كما كانوا في الماضي – تحريض الناس على عموم اليساريين بشبح العلمانية والإلحاد، بدون أن يجابهوهم فكريا فعلا في المسائل الموضوعية الحقيقية، في تحسين واقع الناس العام وفق طموحاتهم المحلية والمعطيات القائمة، التي هي لب المشاريع السياسية (لحمتها وسَداها). يظن الإسلامويون أن لم يتغيّر شيء في هذا المضمار، لكن ما فاتهم أن المنابر الحرة ستعطي اليساريين وغيرهم فرصة متكافئة أمام الجماهير لفضح دعاوى الإسلامويين واتهاماتهم هذه وسوقهم وسوق الجماهير للقضايا الحقيقية. حينها ماذا سيبقى في جُعبة الإسلامويين لمناهضة قوى التغيير التقدمي؟ هل لديهم نظرية اقتصاد سياسي جديدة، هل لديهم نماذج حوكمة راشدة أقوى وخطط تنموية أكثر إقناعا، أم لديهم مناهج تحليل موضوعية أقوى من مناهج التحليل اليسارية في فهم الواقع وتدبّر فرص الحلول الحقيقية؟ أم ماذا… ننتظر ونرى.لكن… لأجل كل ذلك، لن تكفي 4 سنوات كفترة انتقالية. إذا قامت انتخابات بعد 4 سنوات فقط، قد تصبح غالبا “عملية ميكانيكية” عامة، لا معركة حضارية ديناميكية بين مشاريع سياسية وجدت فرصتها لتفصح عن نفسها كاملة امام الشعب وتعطيه الفرصة لاستبانتها واتخاذ القرار بشأنها. هذه المحاذير بعض ما عنيناه حين ردّدنا: ‘قد تمضي الأمور إلى الأسوأ قبل أن تمضي إلى الأحسن.’

(3)
مسائل موجزة وجوهرية عن الدساتير، والقوانين والممارسات.
يتحدث البعض مؤخرا عن أن دستور 2005 السوداني يمثل كسبا شعبيا ممتازا لا ينبغي التنازل عنه، وأن تجاوزه بمبررات إسقاط النظام والمرحلة الانتقالية والشرعية الثورية، يُعد سعيا للمكاسب السياسية الرخيصة مع خسارة مكتسبات الشعب.حسنا… عموما بعض الآراء غير الناضجة تصلح “تختة” ومناسبة لاستقصاء بعض المسائل بصورة أكبر، وبذلك يستفيد عموم الناس أكثر بالقراءة والتفاكر. أدناه سنتحدث قليلا عن العلاقة بين الدساتير والقوانين والممارسات السلطوية، مقروءة على ضوء الثورة الشعبية السودانية.

بين صياغة الدساتير وتفسيرها:
دستور الاتحاد السوفيتي من المعروف أنه نصّا من أفضل الدساتير التي كُتِبت في التاريخ الحديث عموما، من حيث الصياغة والمحتوى. كان دستور الاتحاد السوفييتي يشمل، في سمط واحد، الحقوق الفردية الأساسية (حرية الرأي والضمير والتجمّع) والحقوق الاجتماعية والاقتصادية لجميع المواطنين – أي الجانب الناقص في الدساتير اللبرالية الغربية – إضافة لواجبات المواطنة ونظام الحكم الفدرالي وحق تقرير المصير، إلخ، في صياغة قانونية واضحة وسلسة وناصعة.في حادثة مشهورة عن لينين، أنه قد جرت بعض الاعتراضات داخل مجموعة البلاشفة حول مادة (او مواد) الدستور التي تكفل حق تقرير المصير لأي سوفييت (أو مجلس) ضمن الاتحاد الفدرالي إذا رأى أهل ذلك السوفييت ذلك وتم استفتاؤهم بصورة شاملة عكست رغبة أغلبيتهم الواضحة في الانفصال عن الاتحاد السوفييتي. اعترض بعض البلاشفة في هذا الخصوص بأن هذه المادة تهدد استقرار الاتحاد السوفييتي عموما وأن ذلك في المحصلة ليس في مصلحة الجماهير ضمن النظام الفدرالي. أجاب لينين بأن هذه الحجة ضد حق تقرير المصير تشبه أن تكون هناك امرأة داخل زواج سيء وتريد الخروج منه، فنجبرها على البقاء فيه واستحمال الوضع “عشان مصلحة الأسرة والأولاد”. قال لهم إن حق تقرير المصير حق للشعوب الراشدة نفسها ولا يُصادَر من أجل مصالح آخرين، حتى إن كان هؤلاء الآخرون هم بقية الاتحاد الفدرالي.لكن ذلك “الفهم” الممتاز – لدى لينين على الأقل – لم يتبرأ من الغرض حين جاءت لحظات انعكاسه على حياة شعوب الاتحاد السوفييتي. المؤسسات الكفيلة بتحقيق ذلك الحق كانت موجودة – لم تكن غائبة – لكن الإرادة السياسية كانت مفقودة، لأن الفهم الحقيقي لمحتوى الدستور انتفى.

بين صياغة الدساتير وتنزيلها قانونيا:
دستور جمهورية جنوب افريقيا، والذي أجيز في ديسمبر 1996، يُعدّ من حيث الصياغة والمحتوى أحد أكمل الدساتير المعاصرة، إن لم يكن أفضلها كلها. استفادت جنوب افريقيا الجديدة – ما بعد الأبارتيد – من سيرة نضال شعبها وحصيلة ما وصل له المجتمع الدولي والدوائر القانونية الحقوقية في أواخر القرن العشرين، لتعكس تجربة صياغة دستور متفوق حتى على دساتير ما يسمى بالعالم الأول.لكن هل جنوب افريقيا – أزانيا – من أفضل دول العالم منذ 1997؟ هل الحياة في جنوب افريقيا تعطي الناس هناك انطباعا أنهم يعيشون تحت ظل دستور فائق الجودة في المحتوى والصياغة، وأنهم جميعا مواطنون كرام في مجتمع متمدّن يعيش وفق حقوق وواجبات واضحة ومصونة؟ وكذلك هل كانت الحياة في الاتحاد السوفييتي تعكس نصاعة دستوره؟(بالمقابل، بريطانيا مثلا ليس لديها وثيقة دستور مكتوب، لكن المؤسسات والعمليات الدستورية فيها متخللة جميع النظام السياسي الداخلي بصورة يمكن أن نقول إنها أدوم وأقوى؛ على الأقل فيما يتعلق بالحياة السياسية العامة داخل بريطانيا).لذلك دوما “العبرة ليست بالنص، وإنما بفهم النص.” كما جرت عبارة الحكيم… والفهم هنا يعني أيضا الفهم البريء من الغرض، أي ذلك الذي يتحرى حكمة النص كيما تنعكس على حياته.

بين الدساتير والممارسات:
بالنسبة للممارسات الفعلية للسلطات، من الوضح أنها كثيرا ما لا ترقى فعلا لما في دساتيرها من إيجابية في المحتوى والصياغة.ومع النماذج المذكورة أعلاه، نقول إنه مهما كانت خطايا وإخفاقات الاتحاد السوفيتي وجنوب افريقيا، على مستوى تنزيل الدستور عموما ومستوى الحوكمة والتنمية خصوصا، ففي واقع الامر لدينا طغمة حاكمة في السودان وتجربة حكم أسوأ بما لا يقارن، وعلى شتى الأصعدة.

وضع الدساتير عملية تمزج العقل والعاطفة:
الدساتير النموذجية تشكّل طموحات الأمة بأكملها، بشتى فئاتها وقواها الموافقة على الحكم الدستوري، موضوعة في إطار لغوي يمكن تفعيله قانونيا. عملية صياغة الدستور مهمة مثل حادثة اعتماد الدستور نفسه. وكعملية بهذا الوصف، يرجى منها عصر سائل العاطفة الوطنية المتنوعة على مادة المنطق القانوني المعاصر لتقوم بتشكيلٍ مرنٍ لقطعة أساسية في بناء الدولة الجديدة، خصوصا في حالات التحول الكبير بين حقبتين. هذه عملية ليست قانونية روتينية فحسب، وليست من اختصاص القانونيين والسياسيين وحدهم، كما جرى بذلك كلام بعض الجهات غير المدركة للمسألة. الشرعية الثورية والمبادئ الديمقراطية تعمل معا في هذه العملية لا بالضرورة وفق مؤسسات ديمقراطية موضوعة مسبقا، بل هي تصنع تلك المؤسسات نفسها وتضع لها مبادئها وموجهاتها المستدامة. باعتبار كل ذلك، فالحديث عن الدستور الحالي (دستور 2005، وربما مع تعديل 2016) كمكتسبات شعب يجب الحفاظ عليها، ذر للرماد في العيون، وجهل بالشرعية الثورية والديمقراطية معا، ثم هو جهل بالعلاقة بين الدساتير المكتوبة وما تخللته عملية كتابتها من شرعية وكذلك ما أثمر تحتها من قوانين وممارسات سلطة معاشة، وموقف ذاكرة الشعوب من كل ذلك.وباعتبار كل ذلك، لا تستدعي الذاكرة الآن خاتمة لهذه الفقرة المكتوب الموجز أفضل من عبارة سهلة ممتنعة، للكاتب الإفريقي الامريكي جيمس بولدوِن، حيث قال

“لا أصدّق ما تقوله، لأني أرى ما تفعله.
“‘I don’t believe what you say, because I see what you do.’

(4)
أخيرا، نختم المقالة بإجابات موجزة على أسئلة عامة حول الفترة الانتقالية وعلامات العبور والشرعية الثورية.

س: أليس تمديد الفترة الانتقالية لا يعدو كونه تطويلا لأمد حكومة بدون شرعية ديمقراطية؟
ج: الشرعية الديمقراطية ليست هي الانتخابات فحسب. خصوصا في ظروف المرحلة الانتقالية. الديمقراطية مؤسسات قبل العملية الميكانيكية. لذلك فأي استباق للعملية الميكانيكية قبل تحضير المؤسسات يؤدي لديمقراطية مزيفة، وحين تأتي الديمقراطية المزيفة سيصعب علاجها من داخلها (فتمايزات ومماحكات السلطة والمعارضة حينها ستجعل العلاج امرا عسيرا، بمثل محاولتك صيانة التروس أثناء تحرك العربة بينما الأفضل والأعقل صيانتها قبل تحرك العربة)، لذلك فالأفضل تهيئة المؤسسات بما يكفي قبل تدوير العملية الميكانيكية. المرحلة الانتقالية بطبيعتها مرحلة استثنائية، وشرعيتها مختلفة عن الأوضاع السياسية المستقرة. إذا توفقت السلطة الانتقالية في شمل كافة قوى التغيير الديمقراطي فهذا يعطيها شرعية كافية لمرحلة انتقالية طويلة نسبيا.وفي تأكيد أن الديمقراطية مؤسسات في الأصل، وليست الانتخابات سوى تعبير واحد من تعبيراتها في ظروف مفهومة، أرجو أن نتذكر أن لجنة الدستور – وهي، في اعتبار التاريخ والأثر الواسع، أهم من أي حكومة منتخبة تحكم لبضع سنوات – لا يتم اختيارها بالانتخاب الشعبي، لكنها رغم ذلك شرعية وضرورية للعملية الديمقراطية عامة وللعملية الانتخابية خاصة؛ وفي ظرف السودان الحالي فتشكيل لجنة الدستور يتم في الفترة الانتقالية وبمراقبة الشعب والرأي العام وضمانات التعبير والسلطة الرابعة.إذا فهمنا أن الفترة الانتقالية فترة حرجة، ذات مهام استثنائية، تنعكس على الفترة التي تليها (والتي نريد لها – أي الفترة ما بعد الانتقالية – أن تكون فترة طويلة الأمد ومستقرة وديمقراطية)، فسنفهم أن تعبير الآلية الديمقراطية عن نفسها في تلك الفترة الانتقالية لن يشبه بالضرورة تعبيرها عن نفسها في الحقبة التي تلي الفترة الانتقالية.

س. هل ما يسمى بالشرعية الثورية ليس سوى غطاء لتجاوز الشرعية الديمقراطية؟
ج. الشرعية الثورية حق. ولولاها لما جرت الكثير من التغييرات والتطورات الكبيرة في أنماط الحكم والاجتماع في جلّ التاريخ البشري. ومثل غيرها من القيم الإيجابية، تمّ استغلالها وتزييفها بواسطة قوى الباطل من قبل، كما تم استغلال وتزييف الديمقراطية، والاشتراكية، والفضيلة، إلخ… فإن تنازلنا عن المبادئ والرؤى الصائبة بسبب ما جرى لها من استغلال وتزييف في بعض التجارب، لن يبقى لنا اليوم شيء نحيا من أجله بضميرٍ إنساني متجاوز للأنا الضيقة.يمكن تغيير الكثير بالشرعية الثورية. يمكن هدم الكثير من البناءات الباطلة وتشييد بناءات جديدة، أحق وأقوى، وبمبررات كافية للشعب وللتاريخ. على سبيل المثال، قوانين سبتمبر 1983 بناءٌ باطل (وما بني عليها من قوانين كذلك)، لم تكن لها شرعية حقيقية في يوم من الأيام، وتقف كشوكة كبيرة في حلق السودان منذ ذلك الزمن، وحين جاءت فرصة لإلغائها بالشرعية الثورية تكالبت قوى الخذلان على تأجيلها، حتى فاتت فرصة الشرعية الثورية، وجاء بعدها نظاما حكم، أحدهما كانت لديه بعض الشرعية لكن أساء استعمالها، والثاني كان عودة لقوى الباطل التي وضعت نفس الشوكة في حلق الشعب قديما وليست لها مصلحة في التخلص منها.أي تصوّر مُعلَن للفترة الانتقالية – ميثاقٌ كان أم غير ذلك – لا يحمل موقفا صريحا، عازما، بخصوص إلغاء قوانين سبتمبر، وامتداداتها، بالشرعية الثورية، يقصر عن استحقاق مسمّى تلك الشرعية… وعلى ذلك قِس.

س: ما هي المؤسسات الديمقراطية الواجب بناؤها في الفترة الانتقالية؟ وأين مكان الدستور منها، وشكل الحكم؟
ج: هنالك عدة مستويات للمؤسسات الديمقراطية التي ينبغي بناؤها (أو إعادة بنائها) في الفترة الانتقالية، وهي تتقاطع مع مؤسسات الدولة نفسها المطلوبة لتقوية المؤسسات الديمقراطية (فهنالك اعتماد متبادل بينهم). عموما، مهام الفترة الانتقالية في التأسيس لعهد جديد، هو عهد دولة المواطنة والتنمية، الديمقراطية، يمكن اختزالها في ثمان مهام:
1.     ترتيب لجنة دستور شاملة، وإعطائها من الوقت والمساحة ما تستحقه لتقدّم مسودة دستور حقيقية، ينظر فيها الشعب ويراجعها بواسطة الرأي العام والمنابر الحرة لفترة معقولة، قبل إجازة دستور يمكن وفقه إعادة بناء مؤسسات الدولة والمجتمع.
2.     ترتيب أوضاع فصل السلطات الثلاثة، وإعادة بناء شروطها وقواعدها بعد أن دمّرها حكم شمولي استمر لثلاثة عقود، وتنظيفها من عملية التمكين التي طالتها.
3.     إعطاء الفرصة الوافية للأحزاب التي أنهكتها السلطة الراهنة وطاردتها في كل مكان، ولم تسمح لها بمخاطبة الجمهور بما يكفي ليكوّن عنها فهما معقولا. إذا قمنا بترتيب انتخابات سريعة فهذه الأحزاب ستخسر – أو لن تنال فرصتها الديمقراطية الحقيقية – لأن الأحزاب التي سمح لها النظام الحالي بالتعبير عن نفسها أكثر ستكون هي المعروفة أكثر، وهي غالبا ما تكون شوّهت صورة تلك الأحزاب المعارضة في أذهان الجماهير لدرجة كبيرة. لن تكون الانتخابات القادمة عادلة إذا تمت قبل إعطاء هذه الأحزاب فرصة إصلاح تشويه دام لثلاثة عقود من الزمن. وغالبا هذه الأحزاب هي نفسها المساهِمة حاليا في الثورة الشعبية بأسهم أكثر من غيرها. إذا استعجلنا الانتخابات فسيكون جزاء هذه الاحزاب جزاء سنمار. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد ذكرنا سابقا أن هنالك حاجة عامة لفترة مناسبة للمنابر الحرة كيما يسري مفعولها في مستوى الوعي السياسي لعموم الجماهير، بعد أن كبّلته ثلاثة عقود من الحكم الشمولي المعادي للوعي.
4.     إذا استطاع الناس أن يتصوّروا حجم الفساد الذي أكل جسد الدولة السودانية طيلة هذه العقود، يمكنهم أن يتصوروا حجم الزمن المطلوب لمحاربة هذا الفساد، وإعادة أموال الشعب، ووضع القواعد الأولية التي تعكس تيار عملية الإفساد التي نخرت في عود السلك الوظيفي العام والقطاع العام كاملا.
5.     هنالك بعض القطاعات التنموية التي لا ينبغي تأجيل العمل على إصلاحها، وينبغي أن يكون ذلك العمل مهنيّا غير سياسي – أي لا يتم تحت ظل حكومة منتخبة بعينها، خصوصا إذا كانت من حزب أو أحزاب معيّنة – لأنها قطاعات تتفق قوى التغيير وعموم الجماهير على أهمية استعدالها من أجل قاعدة أساسية للتنمية البشرية: الصحة والتعليم والخدمات العامة. هذه تحتاج لزمن كافي، ومن يظن أن السلطات الانتقالية ستستطيع الانتباه لكل هذه الأشياء – مع الأشياء المذكورة عاليه – في ظرف أربع سنوات فقط أو أقل، فهل نكون ظلمناه إذا قلنا إنه لا يقدّر الأمور حق قدرها؟
6.     هنالك ضائقة اقتصادية عالية، تحتاج عملا حثيثا وسريعا، وستضر به كواليس السياسية لو أرجأناه لما بعد الانتخابات. السلطة الحالية قامت بتفكيك وخلخلة الاقتصاد السوداني وجعلت موارد البلاد نهبا لغير ذوي الحق–الأراضي والمعادن ومصادر الوقود. وهذه ستحتاج لإعادة جرد وتنظيم وإصلاح، بصورة فنية تكنوقراطية ووفق معايير رسمية عامة، قليلة الجرعة السياسية (حتى حين). علاوة على أن هنالك حاجة لتقديم حلول تكنولوجية بعيدة عن الاستقطابات السياسية–وبعضها ستكون قرارات غير ذات شعبية، لذلك ستخاف من تقديمها حكومات مرشّحة أو حكومات منتخبة، لكي لا تفقد شعبيّتها الآنية، وإن كانت المصلحة الكبرى تقتضي تلك القرارات على المدى الطويل (مثلا: أزمة الوقود تحتاج لتحجيم واضح ومؤقت للاستهلاك التابع للمواصلات الخاصة، ولدعم المواصلات العامة أكثر وتوسعة رقعتها كمّا وكيفا، وهذا أمر سيؤثر على فئات معيّنة في المناطق الحضرية أكثر من أغلبية الشعب السوداني في الحضر والريف، لكن تلك الفئات المعيّنة قد تتذمر من هذه القرارات لبعض الوقت في حين تقتضيه المصلحة العامة. أيضا، أزمة الخبز تحتاج إعادة نظر في استهلاك المناطق الحضرية للقمح في حين السودان بلد فيه خيارات أخرى حقيقية ووافية، مثل الذرة وغيرها. مرة أخرى ستتذمر القطاعات الحضرية لبعض الوقت لكن التخطيط الاقتصادي السليم يتطلب ذلك ليحصد الفائدة عموم الشعب؛ وهذه فقط أمثلة، لكن العبرة هنا أن هذه قرارات ستُترك للخبراء الفنيين وليس للسياسيين، ولذلك فستكون حسابات هذه القرارات مختلفة عن الحسابات السياسية والدبلوماسية).
7.     كل هذا المذكور أعلاه على السلطة الانتقالية تنسيقه وإدارته أثناء الالتفات لأكبر مهمة: إنهاء الحروب والنزاعات المسلحة وإحقاق حقوق المظلومين والتعويض المعقول للضحايا والمتضررين من ظلم السلطة الراهنة وعنفها البالغ. إذا ظن البعض أن إنهاء الحروب هذا سيتم بكلمات بسيطة  بمجرد ذهاب هذا النظام فهم كذلك لا يقدّرون الأمور حق قدرها. الحروب القائمة الآن نتاج لتراكم كبير من الظلم والغدر، ولن تهدأ حقا، ونبدأ عملية التعافي (التي ستكون على التحقيق عملية أطول بكثير من الفترة الانتقالية حتى لو كانت 8 سنوات أو أكثر) إلا بعد جهد جهيد في التفاوض والاعتراف بالمظالم والحقوق، وتقديم معالجات وافية، تتفق عليها الأطراف المعنية اتفاقا حقيقيا، مستداما، ثم الشروع في تنفيذ بعض الأجندة العاجلة فيها – مثل عملية إعادة توزيع السلطات والثروات، وتفعيل برامج إغاثة محلية وإعادة نازحين ومطالب تنموية عاجلة وذات أولوية، وإصلاح أراضي، إلخ – فهذه كلها تدخل ضمن عملية إنهاء الحروب، وعلى الفترة الانتقالية قطع الشوط الأكبر فيها.
8.     كل ما ذكرناه أعلاه يدخل في صعيد العمل الداخلي للبلاد والشعب، ولا يخفى على الكثيرين حجم العمل الخارجي – الدبلوماسي والقانوني الدولي والاقتصادي – الذي ستحتاجه السلطات الانتقالية لإصلاح الكثير من ما أفسده النظام الحالي لوضع السودان في الجوار الإقليمي والجوار العالمي. أقل ما يمكن أن يقال في هذا، سريعا، أن هنالك قرارات قوية سينبغي اتخاذها وتنفيذها، وستكون بعض الجهات الجارة غير راضية، في المدى القريب، لأن السلطة الراهنة أعطت بعض الجيران أكثر بكثير مما هو معقول لبلد ذات سيادة وكرامة، وأدخلت نفسها في نزاعات أخرى أسوأ إدخال، وتركت للشعب السوداني تركة ثقيلة من طمع بعض الجيران وغبن بعضهم الآخر. إضافة لأنه تم تشويه صورة السودان في المناخ الدولي تشويها له آثاره الاقتصادية والعسكرية والسياسية علينا جميعا. السلطات الانتقالية سيكون عليها اتخاذ قرارات عالية الخبرة والمهنية والقوة، ومرة أخرى لا ينبغي أن تكون قرارات فئة واحدة فازت بالانتخابات المستعجلة واستفردت بالسلطة، لأنها ستضطر لتسويات سياسية وقرارات صعبة ستتردد فيها كثيرا أي حكومة منتخبة وتحاول الفوز في فترة انتخابية ثانية. السلطات الانتقالية ستكون لها قوة قرار من لا يخشى أن يُهزَم في الانتخابات القادمة لأنها لن تدخل في تلك الانتخابات أساسا، إذ هي تنتهي مهمتها بانتهاء الفترة الانتقالية. هذا أيضا يوضّح لماذا لن تكون السلطات الانتقالية متشكلة من مجموعة محدودة من القيادات والجماعات السياسية، بل لا بد أن تدخل فيها عناصر تكنوقراطية وعناصر مستقلة، تتعرض للمراجعة والمساءلة العامة أمام قطاع أكبر من قوى التغيير والثورة القائمة والرأي العام؛ وبالتالي لن تخشي السلطات الانتقالية ما تخشاه الحكومات المنتخبة من عواقب القرارات الصعبة وسخط دوائرها الانتخابية الضيقة، وكذلك ستشتمل هذه السلطات على كفاءات وخبرات مهنية وإدارية متحللة نسبيا أو كلّيا من أثقال العراك السياسي الحزبي.

أعلاه بعض ما يرد في الفكر من المهام المتوقعة للفترة الانتقالية، وبقيادة السلطات الانتقالية (لكن ليس بتنفيذ تلك السلطات ورأيها وحدها، فهذا عمل يتطلب فكرا وتنفيذا يستفيد من نطاق واسع من خبرات الشعب وكفاءاته وأهل الرجاحة والحكمة والقبول فيه). أليس كل هذا يحتاج لفترة انتقالية أكثر معقولية في الزمن؟ (ولا أقول طويلة، فالطول هنا إنما يقاس بناءً على حجم المهمة المطلوب إنجازها، والمهام الكبيرة المتشعبة تحتاج زمنا يناسبها).وعموما فالثورة الشعبية ماضية إلى مآلاتها، كما قلنا، فإما توافقت الجموع على آراء تجعل الثورة أكثر نجاحا وأقل تكلفة، وإما لم تتوافق عليها فأطالت المشوار والتكلفة على نفسها، لكن المسيرة لن تقف، وسيبقى الشعب وراء مطلوبه إلى أن يناله، عاجلا أم آجلا. 

والمجد والمحبة لشعوب السودان
قصي همرور

(نُشرت، في مدونة سرادق، في 17 فبراير 2019)