التنمية والتحرر، والحركة الافروعومية

صدر كتيّب “التنمية والتحرر، والحركة الافروعمومية” (حوالي 95 صفحة، بما فيها مقدمة الناشر وقائمة المراجع)، عن  مؤسسة الحداثة، ضمن سلسة القراءة من أجل التغيير (رقم 95) لمشروع الفكر الديمقراطي، 2022. كان جاهزا منذ بدايات هذا العام، بيد أن الأوضاع العامة كان لها أثر في تأخر نشره. ولعل في ذلك خير، إذ أن المناخ الآن أكثر ملاءمة لتناول محتواه.

الكتيّب في أصله عبارة عن ورقة درسية (scholarly paper)، أو دراسة، مطوّلة، تتبّع رباط التنمية والتحرر في الحركة الافروعمومية، منذ كتابات دوبويز عن الحركة وعن الاقتصاد التعاوني وعن مقاصد التنمية، منذ بدايات القرن العشرين وحتى منتصفه، وحتى مساهمات نيريري الفكرية والإدارية في الربط بين التنمية والحرية منذ ستينات القرن وحتى التسعينات. والدراسة إنما هي متابعة لما تطرقنا له في كتاب “سعاة افريقيا” (2020، جوبا: دار رفيقي) حول أهمية استعادة أجندة التنمية في الحركة الافروعمومية، أو ما وصفناه بالانتقال من “التحرر والتنمية” إلى “التنمية والتحرر” (مزيد من التوضيح في مقدمة الدراسة، أو في الكتاب المذكور) وقد حاولنا كذلك إظهار بعض جوانبه الملموسة في بعض الاطروحات الواردة في كتاب “حوكمة التنمية” (2020، الخرطوم: هيئة الخرطوم للصحافة والنشر) وفي كتاب “السلطة الخامسة” (2021، الخرطوم: دار جامعة الخرطوم).

كذلك تعرج الدراسة على انعكاسات الربط بين التحرر والتنمية في الكتابات التنموية – في دراسات التنمية – الحديثة نسبيا، مع تخصيص مساحة للنقد المقارن مع كتاب “التنمية كحرية” لأمارتيا سن (الصادر في 1999، والذي كانت له مقدّمات فكرية ظهرت مع أول تقرير دولي للتنمية البشرية في 1990 بالمبادرة الإدارية والفكرية لمحبوب الحق، أستاذ الاقتصاد المؤثّر ووزير المالية الباكستاني الأسبق)، باعتبار أن  لنيريري ورقة بعنوان “الحرية والتنمية” صدرت في 1968، وكتاب بنفس العنوان صدر في 1973، وباعتبار أنه كان رئيس مفوضية الجنوب (South Commission) – التي ضمت 28 خبيرا مختارا من 27 دولة، من افريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية وجزر الكاريبي، بجانب السكرتارية التي عُيّنت وفق خبرتها الفنية كذلك – والتي أصدرت تقريرها حول التنمية في الجنوب (الاقتصادي) في 1990 كذلك، أي تزامنا مع أول تقرير للتنمية البشرية.  ثم تعرج الدراسة على إشارات ومقارنات عامة مع كتابات أحد أقدم روّاد الاشتغال بقضايا التنمية في السودان: الأستاذ محمود محمد طه؛ وذلك باعتبار أن الربط بين كتابات طه بخصوص التنمية وبين بعض الأطروحات المهمة المتوفرة في دراسات التنمية–أن هذا الربط رافقنا منذ بدايات الدراسات العليا (أي منذ 2007) واستمر في مجمل كتاباتنا المتلاحقة عن التنمية (المنشورة باللغتين العربية والانكليزية)، لكن يبدو أنه كل مرة يظهر لنا وجه جديد، وزاوية جديدة، لذلك الربط وما يستدعيه من تفاكر وتحاور، وهو أمرٌ إيجابي في مجمله، في نظرنا.

بصورة عامة، تسعى الدراسة لتوضيح وتأكيد أصالة مسار التنمية داخل الحركة الافروعمومية الواسعة، وأهمية الأطروحات التي دفعت بها ورفدتها الحركة في شأن التنمية (عبر بعض رموزها وبعض تجاربها)، وأهمية استرجاع ذلك المسار لنعالج به قضايا التنمية الراهنة (معالجة تصطحب التطورات والتمازجات اللازمة).

أضف تعليق