ليس من الثورةِ فَكاك

(إحدى المساهمات المختصرة حول الوضع الراهن في السودان. نُشِرت سابقا في صفحة الكاتب في فيسبوك، ثمّ عنونها أحد الأصدقاء بالعنوان أعلاه المأخوذ من النص نفسه)

ننطلق، في فهمنا للواقع السوداني الراهن، من نقطة ذكرناها سابقا، بوضوح وتكرار، وهي أن الاتفاق الذي تم بين المدعو المجلس العسكري الانتقالي (المعجا) وبين قوى الحرية والتغيير (قحت) كان التفافا على الثورة ومسيرتها الأصلية؛ بل يصح القول إنه كان سرقة لها، وهي سرقة تهيّأت عن طريق ضعف الأداء والتنظيم، وضعف الإيمان بالثورة، الذي سوّس موقف الجبهة العريضة التي أوكلها الثوّار مهمة تمثيلهم أمام السلطة الآيلة للسقوط.

ولكونه ليس شريكا في الثورة، إنما ممانع ومناهض لها، فإن المعجا منذ اول أيام تكوينه وحتى اليوم لم يكن ساعيا لإنجاح مساعي وطموحات الثورة الشعبية وإنما لإبقاء قبضته على السلطة بأي وسائل ممكنة، ومهما تعددت وتراوحت بين القهر المباشر تارة والمحاورات السياسية والاستقواء الدبلوماسي تارة. وهذه طبيعته، والظواهر لا تفاجئنا حين تفعل ما هو متوقّع منها، أي في طبيعتها. لم نتوقّع من المعجا ودائرته (وامتداده السلطوي المستمد من النظام القديم) سوى أن يستمر بفعل ما يشبهه، وهو الكيد للثورة والعض على السلطة بالنواجذ مهما كانت الوسائل والتكلفة.

لكن يصح إلقاء الملامة هنا على الجبهة التي أعطاها الشعب السوداني تفويضا لم تحظ به أي جبهة أخرى في التاريخ السوداني الحديث، ثم لم يكونوا في مستوى ذلك التفويض ولم يعترفوا بقصورهم عن ذلك المستوى. معظم انتصارات المعجا كانت معتمدة على ضعف قحت – ضعفها الفكري والتنظيمي – وقلة إيمانها بالخيارات الثورية. وكما قلنا من قبل: نال تفويض الثورة من هم غير ثوريين.

جلّ ما جرى بعد ذلك، وما يجري الآن، من تخبطات متلاحقة، يعاد للنقطة التي انطلقنا منها أعلاه. وحين بدأنا التعامل مع هذا الواقع الجديد، لم نصمت عنه نسبيا أو نتأقلم معه كحالة يأس، وإنما كحالة إدراك بأن مسيرة الحراك الثوري ستطول بعض الشيء أكثر مما كانت لو لم يحصل الالتفاف على الثورة، فذلك الالتفاف لم يقتل الثورة وإنما فقط جعل مشوارها أطول، ولكنها تستمر فيه، فليس من الثورة فكاك. ولذلك فعلينا التهيؤ الاستراتيجي للمشوار الأطول. وفي اختصار ذلك قلنا “قد تمضي الأمور إلى الأسوأ قبل أن تمضي إلى الأحسن”
”Things may have to get worse before they get better”

وكلما كشّر المعجا عن أنيابه – بالتجاوزات والانتهاكات – كلما كان ذلك أفضل، فذلك يفضح حقيقة الأوضاع أكثر ويهيّء قطاعات الشعب الثائرة للعودة لليقظة الثورية وللميادين الثورية، ولتمييز الحلفاء الحقيقيين من الأعداء ومن الخلايا النائمة للقوى المعادية للثورة.

وفق ذلك، فالنظر للأحداث المحدودة لا يصح ولا يستوي بدون اصطحاب الصورة الكبيرة.

وفق ذلك، نرجو أخف السيناريوهات الممكنة ونهيّء أنفسنا لأثقلها؛ فإما حالفنا التوفيق وإما لم نؤخذ على غرة.

والحديث ذو شجون….

أضف تعليق