(أسئلة التنمية الانتقالية ودور الجالية السودانية في الخارج)
أكرم الطرق، وأكثرها مشروعية واحتمال استدامة، للدول النامية كيما تحصّل موارد نقديّة تعينها في ميزانيتها على أداء واجباتها تجاه المواطنين: الضرائب (ثم الضرائب) على الأملاك والدخول بتفاوتاتها، وعوائد القطاع العام (حتى أعتى الدول الرأسمالية لديها شركات ضخمة تابعة للدولة وتشكّل أحد مصادر عائدات الدولة)، والمساهمات المباشرة من المواطنين (وهذه تتخذ عدة أوجه).
الصناديق السيادية إحدى أهم أدوات البلدان المعاصرة لدعم برامجها التنموية المحورية، والتي تحتاج لتمويل كبير وسلس.
تعريف ويكيبيديا العربية للصندوق السيادي – أو صندوق الثروة السيادي – يكفي لغرض حديثنا هنا: “هو صندوق مملوك من قبل دولة يتكون من أصول مثل الأراضي، أو الأسهم، أو السندات أو أجهزة استثمارية أخرى. من الممكن وصف هذه الصناديق ككيانات تدير فوائض دولة من أجل الاستثمار. هي مجموعة من الأموال تعد بمليارات الدولارات تستثمرها الدول في الأسهم والسندات.” وعموما فمعظم الدول الثرية المعاصرة، خاصة تلك التي تنعم بعائد كبير من الموارد الطبيعية كالبترول والغاز الطبيعي (كدول الخليج والنرويج وروسيا) أو من الصادرات (كالصين والولايات المتحدة وسنغافورة)، لديها صناديق سيادية كبيرة الحجم، في مدى مليارات الدولارات وما فوقها. والغرض العام من الصناديق السيادية، كما ذكرنا، الاستثمار التنموي والاستقرار الاقتصادي (فوجود صندوق سيادي للنرويج، مثلا، ليس مهما للتنمية بالضرورة ولكن يجعل النرويج في موقف اقتصادي قوي أمام أي اهتزازات في السوق العالمي للبترول او الصادرات، نظرا لمدّخراتها واستثماراتها في الصندوق السيادي والجاهزة لتغطية أي عجز محلّي محتمل لبضع سنوات).
لكن مؤخرا، قامت رواندا بابتداع مهم في سنة الصناديق السيادية، وهي أنها ابتدرت “صندوق أقاشيرو للتنمية” (وأقاشيرو كلمة ومفهوم بلغة أهل رواندا “كِنيارواندا” تعني عموما الكرامة والعصامية، وقد استعملتها السلطات الرواندية استعمالا ثقافيا موفّقا في عملية إعادة الإعمار ما بعد الحرب الأهلية والإبادة). ما يميّز صندوق أقاشيرو أن عماده ليس فائض رواندا من الموارد الطبيعية أو الصادرات، وإنما من المساهمات الشعبية الكبيرة، من المواطنين الروانديين، خارج البلاد وداخلها من المستطيعين، وكذلك من “أصدقاء رواندا”، من الكيانات والأشخاص المستبشرين بنمو الاقتصاد الرواندي وبالتالي استثمروا فيه بشراء السندات وكذلك ببعض التبرعات (والتي لا تذهب سدى، من الناحية الاقتصادية، لأن الحكومة الرواندية تقدّرها). بدأ صندوق أقاشيرو في 2012، وحاليا تجاوزت ثروته 51 بليون فرانك رواندي. وقد يبدو هذا المبلغ غير كبير إذا حوّلناه للدولار الأمريكي (حوالي 60 مليون دولار تقريبا، بسعر الصرف الحالي) لكن حين نتذكر حجم رواندا، وعدد سكانها – داخل وخارج البلاد – وحجم اقتصادها عموما، فإن المبلغ بالنسبة للاقتصاد المحلي لا يستهان به، ويسمح بالاستثمار الاستراتيجي في مشاريع تنموية طويلة المدى ومحورية.
ليست لدي بيانات كاملة عن حجم العمالة الكفؤة خارج السودان (هنالك بعض البيانات المهمة عن عدد الأطباء الذين غادروا السودان سنويا في السنوات الأخيرة، كأحد القطاعات المهمة من العمالة الماهرة السودانية، وهنالك بيانات عالمية حول كمية هجرة العقول من البلدان النامية للبلدان المتقدمة، وهنالك بيانات حول حجم مساهمة الجيل الأول من المهاجرين في ثروة البلدان المتقدمة عن طريق الضرائب والعمل الماهر والأعمال)، لكن حسب ما هو متوفر من المعلومات وقراءة الواقع العام فإن السودان يستطيع أن يتعلّم من تجربة رواندا وصندوق أقاشيرو لتفعيل دور السودانيين العاملين بالخارج في الاستثمار التنموي في سودان ما بعد العبور. (وبطبيعة الحال فالاستثمار التنموي واحد فقط من صور شتى للمساهمة، لان المساهمة الفنية والمهنية، من الكفاءات والخبرات السودانية بالخارج، ضرورية جدا، وتشمل عودة الكثير منهم للسودان في أقرب فرص ممكنة).
[على سبيل المثال: التزام البناء والخدمة، والذي أخرجه تجمع المهنيين السودانيين في يناير، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن يبدو أن الآلاف قد وقّعوا عليه، من الخبرات والكفاءات خارج السودان وداخله (وما زال مفتوحا للتوقيعات، في موقع التجمع)، يمكن أن يصبح قاعدة بيانات أولى لحصر وتنظيم السودانيين المستعدين للمساهمة في مشروع كهذا – بجانب مشاريع أخرى من نفس طينة “البناء والخدمة”].
ذلك وجه من وجوه كثيرة
والحديث ذو شجون