عندنا جائحة وعندنا زهور

من أكثر الصناعات ازدهارا في كينيا صناعة الزهور (زراعتها وحصادها وتشذيبها وشحنها). وهي من أهم الصناعات وأكثرها استقرارا في كينيا لأنها من أكثرها جلبا للنقد الأجنبي، إذ أن الأغلبية الكبرى من الزهور يتم تصديرها خارج البلاد (والبقية المحلية يتم استهلاك أغلبيتها ضمن القطاع السياحي، المصدر الآخر للنقد الأجنبي). يتم تصدير معظم الزهور إلى أوروبا الغربية بالذات. يمكن أن نقول إن سلسلة القيمة في مجملها تابعة لأوروبا أكثر من كونها تابعة لكينيا، لكن على العموم فكينيا تستفيد منها بالقدر الذي يجعلها تهتم بهذا القطاع باستثناء ودلال كأحد ميزاتها التنافسية في باحة الاقتصاد العالمي.

حاليا، في أوروبا، ومع الجائحة، مات سوق الزهور، إذ أن الأوروبيين هذه الأيام مشغولون أكثر من أي وقت مضى للدرجة التي جعلتهم يتوقفون عن شراء باقات الزهور الكثيرة التي يشترونها في العادة، ليتهادونها ويضعونها على القبور وفي الذكريات والصروح المهمة وفي البيوت في المناسبات، إلخ. أطنان من الزهور في أوروبا ذبلت هذه الأيام وتلقى كقمامة غالية الثمن، وفي كينيا كذلك. لكن الأثر الاقتصادي لهذه السلعة الكمالية جدا، الأوروبية جدا، على كينيا أكبر بكثير منه على أوروبا الغربية.

البلدان التي لا تنوّع قطاعاتها الاقتصادية المهمة بما يكفي، وتوطّنها بما يكفي، وتوفّر لها أسواقا محلية وإقليمية قريبا بما يكفي، ثم هي لا تملك من القوة السياسية والعسكرية في المناخ الدولي ما يكفي لحماية وترويج مصالحها، تبقى هشة اقتصاديا وتنمويا (وسياسيا). وهذه المسألة، في هذا المستوى، ليست ذات ارتباط بالاقتصاد السياسي فحسب (فهنالك مثلا دول رأسمالية وهشة الاقتصاد المحلي وهنالك دول غير رأسمالية وهشة الاقتصاد المحلي) إنما هي ذات ارتباط بالأمن كذلك. 

الجائحة العالمية الحالية لم تضع كينيا في هذه الورطة تحديدا، إنما سلسلة القيمة لصناعة الزهور الكينية هي التي وضعت كينيا في هذه الورطة، وما كانت الجائحة إلا عاملا محفزا لإظهار الورطة (والتي أشار لها بعض باحثي التنمية منذ فترة). 

لكن عموما فإن العالم اليوم يتغيّر بصورة كبيرة، بحيث أنه بعد 2020 لن يعود كما كان قبله على أي حال. ماذا سيكون شكل العالم المتشكل الآن هذا؟ لا ندري، فعملية التخلق ما زالت في بدايتها، والمجاهيل كثيرة، لكن لا رجعة فيه. 

والحديث ذو شجون….

أضف تعليق