عن العدالة الترميمية (والسودان)

(مستعاد من مقالة نُشرت في 13 يونيو 2020، في الوسائط)

العدالة الترميمية = restorative justive

كمفهوم وكممارسة، ليس جديدا (بل تاريخي وسابق للعصور الحديثة)، ولا مانع من نقاشه، ففي مستوى النقاش يمكن تداول كل الاقتراحات. والمهم في عملية العدالة الترميمية هو أن الضحايا لهم دور فاعل في العملية كلها، فهي إذن لا تحصل بدون انخراط الضحايا بفعالية فيه، وبدون تحمّل الجناة مسؤوليتهم عن الجرم والاعتراف بالأضرار التي لحقت بالضحايا جراءه، ثم مناقشة كيفية تكفير الجناة عن جرائمهم بما يساعد في تعافي الضحايا وبما يضمن اضمحلال فرص تكرار للجرائم.

فالعدالة الترميمية إذن، من أهم شروطها أنها لا تتم بصورة فوقية، أي لا تفرضها السلطات السياسية لحماية الجناة من العقاب، بل تتواضع عليها قوى المجتمع باعتبار العقبات الكثيرة والنتائج غير المقصودة التي يمكن توقّعها من خط العدالة العقابية (الاقتصاصية) في تلك الحالة.

في العام 2014، وما قبله، تحدثنا عن منظومة العدالة عن طريق “جبر الضرر” مقابل “القصاص”
(reparation/restitution vs. retribution)
وأنهما يكمّل بعضهما بعضا. على سبيل المثال، ليست هنالك طريقة للعدالة الاقتصاصية بخصوص مسائل مثل الاسترقاق والاستعمار والاستيطان طويل الأجل، لكن هنالك طريقة للعدالة الترميمية (ومنها مثلا التعويضات العامة والتمييز الإيجابي، وهي طرق مجربة في المجتمع الدولي وفي المجتمعات المحلية). مثلا، ألمانيا دفعت تعويضات ضخمة لإسرائيل، مع اعترافات واضحة وموثقة، كجزء من العدالة الترميمية بخصوص المحرقة اليهودية أيام حكم النازية. أيضا اعترفت الأمم المتحدة منذ أكثر من عقد من الزمان بأن أفارقة الشتات لديهم حقوق لم تُنصف بعد جراء تجربة الاسترقاق والاستغلال الاقتصادي الكبير الذي ما زالوا يعانون جملة من نتائجه حتى الآن، ولذلك فإن برامج التعويضات الضخمة (reparations) ينبغي لها أن تتحقق كجزء من العدالة الترميمية.

الجدير بالذكر في الموضوع أن العدالة الترميمية من الأشياء التي دعت لها الحركة الشعبية لتحرير السودان ثم رفضها البعض من الذين يرون أن العدالة الترميمية الآن هي الحل الموفق؛ بل وشنّوا عليها هجمة كبيرة واعتبروها رفضا للسلام – بمعنى أن السلام يأتي عن طريق تجاوز الماضي بكل مظالمه ونتائجه الملموسة حتى اليوم – فهل كان الرفض وقتها للعدالة الترميمية ثم الحديث عنها الآن متعلق بحساب المكاسب والخسائر اللاحقة بأصحاب الاقتراح، أم كانت العدالة هي منشودهم الأساسي دوما؟ (لأن السودان أيضا فيه تاريخ طويل من المظالم المماثلة لما حصل في دارفور، ففهي جنوب السودان ومنذ الستينات حصلت جرائم ترقى لوصف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ضد مدنيين، ومعظمهم نساء وأطفاء وشيوخ، موثقة جيدا، في ظل حكومات وقوات حكومية ما زال قادتها على قيد الحياة اليوم). فالعدالة الترميمية إذن ليست “عدالة” إذا حاول البعض استدعاءها واستعمالها كمخرج سياسي سهل، ولأغراض سياسية لا تعطي الأولوية لحقوق الضحايا وموقفهم الحالي من المسألة كلها.

والجدير بالذكر أيضا أن العدالة الترميمية ليست هي “الحقيقة والمصالحة”، خاصة النسخة التي جرت في جنوب افريقيا. ذلك لأن ما جرى في جنوب افريقيا لم يكن فيه أي تعويض أو جبر للضرر، ولا حتى أي إلزام للجناة للظهور أمام منصات العدالة والاعتراف بمسؤوليتهم وقبولهم لما يترتّب على ذلك من تنازلات وإجراءات عملية. الكثيرون من الجناة يرون في نموذج جنوب افريقيا شيئا جميلا ببساطة لأنه يعفيهم من أي مسؤولية، حتى مجرد الإلزام بالاعتراف. والواقع في جنوب افريقيا أن ما سمّي بلجان الحقيقة والمصالحة كان لها أثر كبير في استمرار الاحتقانات التاريخية الموجودة حاليا في جنوب افريقيا، والتي تنفجر بين مرة وأخرى (كما نتابع في أخبار تلك البلد كل فترة، وكما هو مستمر في أوضاع الخطورة العامة في المجتمع هنالك)، ويحسب الكثيرون أنها لا بد وأن تنفجر انفجارات أكبر قريبا، ما لم تحصل مراجعة حقيقية وعدالة حقيقية.

أدناه، سنورد بعض الوصلات حول العدالة الترميمية، للمزيد من المعلومات.

والحديث ذو شجون….


Links (click to open):
United Nations: Handbook to Restorative Justive Programmes
Encyclopedia Brittanica: Restorative Justice

 

أضف تعليق