في يوم المعلم: شكرا نونيتا ياب

في يوم المعلم (5 أكتوبر)، أرسل سامي التحايا وفروض الاحترام إلى نونيتا ياب (Nonita Yap)، حيثما كانت وكيفما كانت.
——–

في كتابي الانكليزي (Liberation and Technology, 2018) وجّهتُ صوت شكر لثلاثة أشخاص فقط في حياتي الأكاديمية: جون ديفلن، ونونيتا ياب، وقيل كرانسبيرق. ذلك لكونهم أكثر ثلاثة أرشدوني في حياتي الأكاديمية نحو توسعة معارفي وتطوير حرفة الدراسة (scholarship) عندي.

في أكتوبر ٢٠١٨، بلغني أن نونيتا ماتت، قبل بضعة أشهر، جراء سكتة. أبلغني بذلك زوجها الذي كان معها طيلة الأسابيع العصيبة، في العناية المركّزة، بين بوليفيا وكندا، حتى انتقلت عن عالمنا. كان الخبر محزنا ومفاجئا معا بالنسبة لي.

نونيتا كانت الشخص صاحب الدور الرئيسي في فتح الطريق لي للقبول في برنامج الدكتوراة، بجامعة قويلف، كندا، حيث بدأتُ بمراسلتها قبل التقديم للجامعة بعد البحث عن بروفيسور مناسب للمراسلة (وهي ممارسة يُنصَح بها، أن يتصل الطالب أو الطالبة ببعض أو أحد البروفيسورات في الكلية التي ينوي التقديم لها، ليرى إن كان بالإمكان إيجاد مشرف على برنامج دراسته مسبقا، لان طلب الانضمام للبرنامج يكون أقوى إذا كان هنالك بروفيسور مستعد مسبقا للإشراف على الطالب). ورغم غياب أي معرفة سابقة بيننا، إلا أن نونيتا ردّت عليّ خلال فترة بسيطة، وطالبتني بمعلومات وافية عن خلفيتي ومشاريعي البحثية لكي تطّلع عليها (الأمر الذي يعكس جديتها)، وبعد أن فعلت ذلك، بفترة بسيطة، راسلتني وطلبت أن تلاقيني، مبدية تجاوبا واهتماما بالخطوات القادمة. دعمتني في تقديمي وحرصت على أن أنخرط في العمل البحثي في الجامعة مباشرة، في مشاريع كانت تديرها، قبل حتى انتهاء تقديم طلبي للبرنامج (ورغم اني وقتها كنت ما زلت أعمل في مشروع مع وزارة البيئة). بذلك، وعبر خبرة عملي معها لبضعة أشهر قبل النظر في تقديمي للبرنامج، استطاعت نونيتا أن تزكّي تقديمي وتقول إنها تعرف مقدراتي ومؤهلاتي بما يكفي لتلك التزكية. قبل قبولي في الجامعة جعلتني مساعد بحث ومساعد تدريس لأحد مقرراتها التدريسية المتميزة (والذي كان جديدا على الجامعة وعلى الأكاديميا الكندية عموما): الإيكولوجيا الصناعية.

بعد فترة بسيطة من قبولي أخبرتني بأنها ترى أن هنالك مشرف أفضل منها لي، لكنها أرادت رؤيتي مقبولا في البرنامج أولا قبل ذلك الاقتراح. وفعلا قامت بالترتيبات اللازمة لنقل مهمة الإشراف للبروفيسور الآخر، في حين بقيت هي ضمن هيئة الاشراف على برنامجي. ذلك رغم أن نونيتا كانت تقريبا أكثر واحدة من أساتذتي تتشابه خلفيّاتنا واهتماماتنا متعددة المساقات (علوم وتكنولوجيا من جهة، ودراسات تنمية مستدامة من الجهة الاخرى، وبينهما السياسات العامة) لكنها رأت أن مشروع بحثي بالذات يناسب مشرفا آخر؛ وأعتقد الآن أنها كانت على حق.

في السنوات اللاحقة، ساعدتني نونيتا في إرشادي نحو القراءات المهمة لاتجاه بحثي، ووفّرت لي معظم تلك القراءات (والتي كانت فعلا مهمة جدا في تشكيل أفكاري وأهدافي البحثية)، كما ساعدتني في العديد من التقديمات لمنح دراسية، من مصادر داخل وخارج الجامعة، تكللت بعضها بالنجاح وساعدتني على مواصلة دراستي (التي كان معظمها من نفقتي الخاصة حيث كنت أعمل خارج الجامعة وأدرس بالدوام الجزئي معا).

كانت كذلك مساهمتها في مراجعة أطروحتي أقوى مساهمة، بعد مشرفي، ورغم أنها لم تكن ضمن لجنة المناقشة الأخيرة إلا أنها حرصت على لقائي وتشجيعي قبل المناقشة، ثم الحضور لتهنئتي بالنجاح والجلوس معنا لوجبة الغداء بعد المناقشة، احتفالا بالمناسبة. كانت نونيتا في معظم أحوالها مع الطلبة عملية ومباشرة، ولا تجاملنا البتة في نقدها أو في طلبها منّا أن نرفع مستوى أدائنا ومستوى أوراقنا وطروحاتنا، لكن اهتمامها بطلبتها كأشخاص كان يظهر في لحظات بسيطة وواضحة، مثل حرصها على إعداد كوب شاي أخضر دافئ لي بنفسها قبل بداية امتحان التأهيل (منتصف برنامج الدكتوراة) لأنه يعينني على الاسترخاء ووضوح الصوت، حسب نُصحِها، ثم تكرار نفس المشهد يوم المناقشة، ومثل فرحها الواضح وعناق التهنئة بعد تجاوز المناقشة، ثم الأريحية في التعامل بعد انتهاء تلك المرحلة.

نونيتا كانت من الفلبين، استقرّت بكندا قبل بضعة عقود وتزوّجت وأنجبت بها، لكن بقي قسط كبير من مشاريعها البحثية والمهنية مرتبطا بالمجتمعات النامية والتنمية الصناعية بها (آسيا وافريقيا وأمريكا الجنوبية والوسطى). تميّزت بأخلاق مهنية عالية، وبإنتاج متميّز ومؤثر.
——–

 

“I study two related questions: the role of technology in environmentally sustainable development, and the role of public policy in influencing production and consumption choices. I have examined these questions in Canada, Asia, central and south America and southern Africa.”
—Nonita Yap

https://www.researchgate.net/profile/Nonita-Yap 

أضف تعليق