وصيـّـة جـدّي

كتبتُ من قبل عن جدي مرات عدة، منها ما ذكرتُ في مقدمة كتاب “السلطة الخامسة” (2021، دار جامعة الخرطوم)، حيث جاء، “أعتقد أني مدين لجدّي، شيخ الدين جبريل، توريثه لي شغف الاطّلاع على المعارف المتنوعة، فذلك الشغف لعلّه الذي أورثني رفض الاكتفاء بأحادية التخصص والانشغال، الأمر الذي نفعني في بحث وتناول قضية متنوعة الأوجه ومتشعّبة كهذه التي بين يدينا.”
[في إحدى رسائله لي، بتاريخ 5 نوفمبر 1989 – عمري وقتها 7 سنوات – أوصاني بـ”قراءة الكتب والكتابة والرياضة المنتظمة والصلاة وحفظ القرآن والخطابة”.. إلى أن قال “عاوزين نشوفك.. مفيدا للناس جميعا….”]
 
وفي الأيام الأخيرة، وفق ملابسات، تذكرتُ تسجيلا صوتيّا له، ذا أهمية كبيرة بالنسبة لي، وأعود له كل فترة، حتى انطبعت كلماته في ذاكرتي، بنبرته، وكثيرا ما أسعفني في تعاملي مع تقلبات الأحوال. التسجيل له وهو يلقي أبياتا من الشعر العربي المعتّق (وهو أستاذ اللغة العربية)، وأصله – أي التسجيل – وصية كان يوصي بها أبناءه المسافرين:
 
أَجُبَيلُ، إِنَّ أَباكَ كارِبُ يَومِهِ
فَإِذا دُعيتَ إِلى المكارمِ فاعجَلِ؛
أوصيكَ إيصاءَ اِمرِئٍ لَكَ ناصِحٍ
طَبِنٍ بِرَيبِ الدَهرِ، غَيرِ مُغَفَّلِ؛
اللَهَ فَاتَّقِهِ، وَأَوفِ بِنَذرِهِ،
وَإِذا حَلَفتَ مُمارِياً فَتَحَلَّلِ؛
وَاِترُك مَحَلَّ السَوءِ، لا تنزِل بِهِ،
وَإِذا نَبا بِكَ مَنزِلٌ فَتَحَوَّلِ؛
وَإِذا افتَقَرتَ فَلا تَكُن مُتَخَشِّعاً
تَرجو الفَواضِلَ عِندَ غَيرِ المُفضِلِ؛
وَإِذا هَمَمتَ بِأَمرِ شَرٍّ فَاِتَّئِد،
وَإِذا هَمَمتَ بِأَمرِ خَيرٍ فَاِفعَلِ؛
وَإِذا تَشاجَرَ في فُؤادِكَ مَرَّةً أَمرانِ
فَاعمَد لِلأَعَفِّ الأَجمَلِ
….
“مفهوم؟” [بصوته]
 
نعم…. كل ما بوسع المرء في هذا الخضم، في هذا الكوكب، أن يساهم بأفضل ما يستطيع أن يساهم به، ثم لا ينتظر الكثير، لا من عموم الناس ولا من سير الأحداث ولا من تلاقي الأكوان، إنما يلوذ بعالمه الخاص (العالم الأكبر)…. مفهوم
 

أضف تعليق