رسائل خاصة إلى محمد جلال هاشم

[أدناه رسالة صغيرة، أرسلتها لمحمد جلال هاشم،أصلها ثلاث رسائل نصية صغيرة، خاصة، أرسلتها له بتاريخ 11 مايو 2022. بعد إحدى لقاءاتنا، في إحدى أمسيات الخرطوم، قررت إرسال تلك الرسائل له. وبعد الأحداث الأخيرة – منذ اشتعال الحرب وحتى إصابته في حادثة خطيرة في الخرطوم كادت تودي بحياته – يمكنني الآن أن أقول إني عندما كتبتها كان لدي شعور قوي، في تلك الأجواء، بأن هناك خطر يحدق بمحمد، وأن ذلك الخطر ليس لغياب خيارات السلامة لدى محمد وإنما لأني رأيته اختار وسيختار دروب الخطر بينما الظروف العامة في السودان تخبرنا بأن الأوضاع ستمضي نحو الأسوأ، وهو الأمر الذي كتبت عنه مسبقا علنا. في حديث خاص مؤخرا ذكّرت محمد بهذه الرسائل، ليقول لي إنه نفسه لم يفهم لماذا قلت له ما قلته حينها غير أنه فسّره بتعبير عن مشاعر صادقة بيننا ونعرفها، وأن قراءتها الآن تُظهِر مغزاها أكثر. استأذنت محمد في نشر الرسائل الآن، مع بعض الترتيب والتنقيح البسيط، إذ أعتقد أنها الآن تستحق أن تدخل في المجال العام، لعدة أسباب].


في حاجة عاوز اقولها ليك، ورأيت أن  الأحسن أن أقولها ليك الآن، قبل ما الزمن ياخدنا وتتراكم الأشياء.

نحن شاكرين ليك بصورة خاصة، ليس فقط بمعنى ما نهلناه من مساهمتك الأساسية والضخمة في إثراء ساحة الفكر والمعرفة السودانية والافريقية (والإنسانية بالتالي)، وإنما أيضا بتوفيرك لنموذج حي ومعاصر للمثقف العضوي، الحقيقي، البنحاز للخيارات الأخلاقية الصعبة وبيلتزم بيها رغم الصعوبات الجمة. الحاجة التانية دي بالذات من النادر وجود نماذج حية ليها، ومن المهم جدا وجود هذه النماذج.

ظروفنا وأجيالنا متفاوتة، وبالتالي الخيارات التي تواجهنا متفاوتة، كذلك، وبينما نحن نبحر في المجالين العام والخاص (وتحديدا المجال الخاص المنعكس على العام) وبنحاول برضو نستبين الخيارات الأقرب للصحة وللحق، وفي مدى قدراتنا، ونلتزم بيها مهما كانت التكلفة، بنعرف انه الالتزام ده ممكن – رغم صعوبته – بسبب النماذج الحية المتوفرة المعاصرة.

(والمعاصرة دي مهمة، لأني مثلا ما عاصرت نموذج الأستاذ محمود محمد طه، ورغم انه صاحب الأثر الأكبر في مجمل حياتي إلا أن أحدنا ممكن يتخيّل انه نموذج بعيد المنال وحالة خاصة جدا وبالتالي لا ينفع التأسي به كثيرا وإنما فقط الانبهار به من بعيد، فالظروف والسياقات تغيرت، إلى آخر ذلك من التبريرات الممكن تجي لخاطر الزول وتحيد بيه عن الالتزام).

عشان كده،
I never take our company for granted
[أعتز جدا برفقتنا، وأقيّمها تقييما عاليا]
وأفتكر لو كانت الظروف في هذه البلد مختلفة، فأمثالك كان وضعهم سيكون مختلفا جدا [من حيث الاحترام والاحتفاء في الذاكرة العامة]؛ لكن التاريخ لا بد أن ينصف مستقبلا من لم ينصفهم الحاضر والماضي.

ده الحبيت اقوله، وبعد لقاءنا قبل يومين شعرت انه مفروض اقوله ليك الآن، فالزمن ما معروف، والعادة السودانية انه الأشياء دي لا تقال عن المرء إلا بعد غيابه، لكن هنالك استثناءات مهمة. هذا استثناء.


[الصورة المرفقة: أول لقاء حسي بيننا، في منتصف 2015، في زيارة مشتركة لنيروبي، كينيا. سبق ذلك اللقاء عدة لقاءات غير حسية]

أضف تعليق