التنمية والديمقراطية والفقر والجوع: مراجعات واقعية

في كتاب “ممكنات السودان” (2021، جوبا) تحدثنا بصورة عابرة عن النقاش الدائر وسط دراسات “الدمقرطة والتنمية” (democratization and development) – وذلك في إطار المحاججة بأن نجاح الديمقراطية في السودان يتطلب مواقف تنموية واضحة ومباشرة وذات أثر ملموس على مستوى الدولة (ولذلك قلنا إننا ندفع بنموذج الدولة التنموية)، وفي ذلك الحديث قلنا إننا نعتبر الوجهة التنموية شرطا لنجاح الديمقراطية وفق ما تفيدنا به الدراسات في البلدان الأخرى التي يمكن أن نستفيد من تجاربها.More

ما أشبه الليلة بالبارحة: خضم ثورة واعتقال تاريخي

بعد ثورة أكتوبر 1964، قامت أول حكومة انتقالية بقيادة سر الختم الخليفة، ولم تستمر تلك الحكومة أكثر من 4 أشهر. كانت تشكيلة تلك الحكومة عموما “تكنوقراط” بمعنى أنهم مهنيّون وأصحاب معرفة فنية/عملية في مجالاتهم من عمل وزراعة وغير ذلك، ولم يحظ فيها أي حزب كبير أو صغير بأكثر من مقعد وزاري. كان التكنوقراط مدعومين من جبهة الهيئات، بينما كان النادي السياسي التقليدي (الحزبين الكبيرين والاخوان المسلمين) ناقما على تلك التشكيلة الحكومية واتهمها بأنها حكومة شيوعيين استأثرت بالسلطة بدون وجه حق.… More

بين صفوة التعليم الاستعماري وتصفية الاستعمار

عبر مراجعة عامة وسريعة لحركات التحرر الوطني، وحركات مناهضة الاستعمار، في القرن العشرين بالذات (مع وجود حالات من القرن التاسع عشر وحالات متنامية من القرن الحادي والعشرين)، سنجد أن معظم روّاد وقيادات تلك الحركات – القيادات التنظيمية والميدانية والفكرية، وكذلك الكوادر الاستراتيجية – هم من أهل المستعمرات الذين تلقّوا تعليما وتدريبا غربيّا (أي تعليما استعماريا)، سواء أكان ذلك عن طريق الحصول على فرصة للسفر خارج بلدانهم للدراسة في عواصم الاستعمار (في أوروبا وأمريكا الشمالية) أو عن طريق الدراسة في بلدانهم في منشآت تعليم استعماري عالي كان هدفها الأساسي – أي هدف تلك المنشآت التعليمية الاستعمارية – إنتاج “أفندية” يعينون الطاقم الاستعماري، الإداري والفني، على أشغالهم بصورة أفضل.
More

تعقيب: حول تأهيل منظومة البحوث والابتكار

كتب الأستاذ الدكتور نمر عثمان بشير مقالا قديرا، في الرد على الأطروحة التي قدمناها مؤخرا بعنوان “تأهيل منظومة البحوث والابتكار بالسودان: مجلس وطني للبحوث”، والبروف نمر ذو باع أكاديمي وإداري أعطاه من التجربة والخبرة ما يجعله يهتم بمثل هذه الأطروحة ويتفاعل معها، إيجابا أو نقدا، ولذلك حرصنا على توفير عرض الأطروحة له ليطّلع عليها ونستأنس برأيه. ولم يخيّب ظننا فله الشكر على الكتابة في هذا الموضوع، بصورة موضوعية ومحترمة وواضحة، لأنه بهذا إنما يدعم الاتجاه الذي نريده تماما: وهو فتح الباب للنقاش وتقليب جملة السيناريوهات والخيارات، لنرى ما لها وما عليها، ولنوثّق لعملية التفكير هذه ونسجّلها كنموذج للتفاكر في قضايا السياسات المسنودة على البراهين؛ وباعتبار القضية في أصلها قضية عامة وتخص المؤسسات العامة فإن نقاشها العلني من الصواب ومن الخير.*… More

مدخل تمهيدي للنقابات والتعاونيات في القطاعات الرسمية وغير الرسمية في السودان

نبذة تعريفية عن فكرة ومحتويات الكتاب
(صدر في مارس 2020، عن شركة مطابع السودان للعملة المحدودة، وبدعم من تجمع تصحيح واستعادة النقابات العمالية، والمركز السوداني للإرشاد)


يأتي هذا الكتاب بعنوان “مدخل تمهيدي للنقابات والتعاونيات في القطاعات الرسمية وغير الرسمية في السودان” ليقع ضمن عدة جهود انطلقت شرارتها بعد ثورة ديسمبر 2018 المجيدة والتي ترمي إلى المساهمة في تكوين وعي عام بأهمية التنظيم في الحركة العمالية والنقابية وأثر هذا التنظيم في حماية مصالح وحقوق الفئة العاملة في السودان على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، أما على المستوى السياسي فإن لهذا التنظيم أدوار مركزية في تحقيق الانتقال المدني الذي دعت إليه ثورة ديسمبر.… More

عن العدالة الترميمية (والسودان)

(مستعاد من مقالة نُشرت في 13 يونيو 2020، في الوسائط)

العدالة الترميمية = restorative justive

كمفهوم وكممارسة، ليس جديدا (بل تاريخي وسابق للعصور الحديثة)، ولا مانع من نقاشه، ففي مستوى النقاش يمكن تداول كل الاقتراحات. والمهم في عملية العدالة الترميمية هو أن الضحايا لهم دور فاعل في العملية كلها، فهي إذن لا تحصل بدون انخراط الضحايا بفعالية فيه، وبدون تحمّل الجناة مسؤوليتهم عن الجرم والاعتراف بالأضرار التي لحقت بالضحايا جراءه، ثم مناقشة كيفية تكفير الجناة عن جرائمهم بما يساعد في تعافي الضحايا وبما يضمن اضمحلال فرص تكرار للجرائم.… More

حول العلاقة الثلاثية: الدين والدولة والسياسة

[بلغة الكلام في السودان]

ما بننكر انه المسألة – مسألة العلاقة الثلاثية، بين الدين والدولة والسياسة، في العصر الحديث – فيها جوانب معقدة، والإجابات فيها موش جاهزة خالص، ولا بالضرورة بديهية؛ لكن في موجّهات تفكير مفروض تكون راسخة في أرضها، بحكم التاريخ والإطار العام لتطورات الأوضاع الحاكمة زمننا.

بمجرد ما بنتكلم عن ‘دولة عصرية’ (اي تستوفي النموذج المعاصر للدولة حسب المفاهيم والعقود المتواضع عليها عالميا) فده بيعني انها دولة مواطنة جغرافية-سياسية (جيوسياسية) بالمعنى الصريح، يعني حدودها وصلاحياتها وقوانينها بتتشكل عبر قرارات مواطنيها وتفاعلاتهم في الرقعة الجغرافية ذات السيادة، مع استيفاء شروط تاريخية متعارف عليها في الواقع الدولي، الأمر الذي يجعلها دولة غير لاهوتية وأيضا غير عشائرية، وغير ذات حكم مطلق على الرعايا، بالضرورة؛ وده بيختلف اختلاف جوهري عن معظم نماذج “الدول” أو الممالك التي توفرت في التاريخ القديم.… More

التنمية وعُراها: عن مكان الاقتصاد من التنمية ومكان الدعم السلعي من الاقتصاد

مسألة تخفيض الدعم السلعي، أو خلافه، في السودان، في هذه الأيام، مهمة – وقد ذكرنا سابقا أن الجماهير دخلت في نقاش وتعلّم جاد حول الاقتصاد السياسي عموما من بوابة مسألة الدعم السلعي، وتلك محمدة – لكنها استغرقت من الناس الكثير من الاهتمام، والأخذ والرد، على حساب مسائل أخرى لا تقل عنها أهمية إن لم تكن أهم. بعض الناس حاولوا أن يبقوا خارج التداول الحاد بصيغة “مع أو ضد”، لا زهدا في المواقف وإنما لأن الجانب الذي ينقص فيه عدد الناس الآن هو جانب النظر للقضية من ناحية النظُم ومن ناحية الأمد المتوسط والطويل. … More