القرار الاقتصادي ليس اقتصاديا 

تناولَت كتابات سابقة أن قادة النقلات التنموية والاقتصادية الكبيرة التي حصلت مؤخرا، في بعض بلدان العالم (أي البلدان التي انتقلت من قوائم الدول النامية والأدنى أجرا إلى قوائم الدول الصناعية والأجور العالية)، لم يكن معظمهم اقتصاديين مهنيين، أي أن دارسي الاقتصاد لم يكونوا هم الفئة الظاهرة والسائدة في دوائر القرار وفي مفاصل الخدمة المدنية. في كتاباته، يحب ها-جون شانق، خبير الاقتصاد التنموي المعروف وأستاذ الاقتصاد في جامعة كيمبردج، أن يشير إلى هذه النقطة [1، 2]؛ ففي آسيا مثلا كان معظم من قادوا العملية التنموية واشتغلوا في مفاصل الدولة، مهندسين (كما في الصين وفي تايوان) كما كانوا قانونيين (كما في سنغافورة وفي كوريا)، أي أصحاب تدريب مهني/أكاديمي في الهندسة وفي القانون.… More

براءة الاختراع وبراءة التاريخ

ورقة علمية، تخصصية، في التاريخ والتكنولوجيا (وفلسفة العلوم)، نُشِرت مؤخرا (يونيو 2023)، وأحدثت ضجة نادرة في عالم الأوراق العلمية في هذا المجال (وهو مجال لا يحظى عادة بالكثير من الاهتمام والمتابعة خارج دوائرة الأكاديمية والمهتمة المحدودة). خلاصة الورقة، التي قدمتها الباحثة جيني بولسترود، أن إحدى براءات الاختراع المسجلة تاريخيا، من القرن الثامن عشر، والمهمة في تاريخ تطور الثورة الصناعية بأوروبا، تعود أصولها الموثقة ليس إلى الشخص الانكليزي الذي قام بتسجيلها لصالحه (واسمه هنري كورت، وهو صاحب أعمال ونواقل وأعمال تعدين) وإنما تعود إلى ما شاهده و”استقاه” من المهارة والخبرة المستقّلة في العِدانة metallurgy لعمّال الحديد السود في جامايكا (حيث مارس كورت بعض أعماله)، الذين كان جملتهم من المسترقين من غرب ووسط افريقيا، حيث تشير المؤشرات الآن إلى أن تلك العملية “الاختراع” في التعدين تُنسب في الأصل إلى هنالك [وصلة الورقة، وملخص لها، في آخر هذه المقالة].   More

الدولة العصرية والسودان: ‘لا بريدك ولا بحمل بلاك’

الذين عاشوا ويعيشون في السودان، في العصر الحالي، يجلسون في المقعد الأمامي في مشاهدة سيناريو فشل الدولة وانهيارها، كأحد السيناريوهات الواردة مع حالة أي دولة في هذا العصر–أي أن استقرار الدولة واستيفائها للحد الأدنى من شروط الكفاءة ليس أمرا مضمونا لأي دولة، فأي دولة مهددة بالانهيار في فترة وجيزة إذا عجزت عناصرها عن الاستمرار، لأي سبب من الأسباب؛ وهذا إجمالا وضع أي بناء حضاري بناه البشر في تاريخهم المكتوب، فأي حضارة دامت لفترة، طالت أم قصُرت، مرت بامتحانات ومحكّات، فإما تجاوزتها وإما فشلت ثم انهارت (وعادة بسرعة أكبر من الوقت الذي احتاجته لكي تبني نفسها وتصل لقمة سطوتها)؛ وفي النهاية، لا يوفّر لنا التاريخ أي نموذج لأي بناء حضاري استمر بدون أن ينهار يوما ما.… More

شرح أسس الاقتصاد للناس – سلسلة محاضرات

من ما يُنصّح به بشدة، لجميع المهتمين بالحيازة على معرفة عامة بقضايا الاقتصاد المعاصر (النظريات العامة المؤثّرة، والمفاهيم المفتاحية، والقضايا الكبرى، والأنماط التاريخية المهمة، ونقاط النقد الأساسية للممارسات والمدارس السائدة): المشاهدة الهادئة لسلسلة المحاضرات “الاقتصاد للناس” (أو شرح أسس الاقتصاد للناس)  التي نظمها معهد التفكير الاقتصادي الجديد (INET) وقدمها ها-جون شانق – أستاذ الاقتصاد المعروف بجامعة كيمبردج، وصاحب المساهمات الكبيرة في الاقتصاد المؤسسي والاقتصاد السياسي للتنمية* –  في ديسمبر 2019.More

بين المثقف العام والمؤثر

عدد بسيط من الشباب – ذكورا وإناثا – الذين أتابع كتاباتهم وأقوالهم ومداخلاتهم في منصة فيسبوك ومجمل “منصات التواصل الاجتماعي” أو السوشلميديا (كمكان حصري لكتاباتهم ومداخلاتهم)، أعتبر تفكيرهم مرتّبا ولغتهم سلسة في التعبير عن المسائل التي فيها تعقيد؛ وعندهم أدوات المفكّر فعلا. هؤلاء من الذين أنتظر منهم أن يكتبوا كتابة مرتبة أو عروضا مرتّبة يوما ما – أوراق، كتب، مقالات/تدوينات، محاضرات مرتّبة في موضوعها، لقاءات أو وثائقيات، الخ – بمعنى توقي لأن أراهم يقدمون أفكارهم وخلاصة اطلاعهم بصورة أقرب لتوثيق وتأطير المعرفة وأبعد من الشفاهة العابرة أو محتوى السوشلميديا فحسب.… More

معنى السياسة

السياسة لغةً تعني تدبير وتصريف أمور الناس، وذلك وفق رعاية مصالحهم. أمّا ممارسةً فهي في واقعنا المعاصر يُفهَم أنها تشير إلى ممارسات ممنهجة واستراتيجية وفق قيم وأهداف، ووفق موازنات لمطامح وقوى متداخلة وذات مشروعية، على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية. وفق ذلك فأن يسوس المرء أمور الناس تعني أن يدبّرها ويصرّفها وفق منهجية ووفق رؤية تضع مصالحهم نصب العين؛ فالبداية تكون في التعاطف مع أولئك الناس والانحياز لهم، كمنطلق للسياسة، ثم تأتي الممارسة المنهجية والاستراتيجية لتحقق قيمة ذلك التعاطف والانحياز.More

حول دور المنظمات غير الحكومية الدولية وشريكاتها المحلية

نظرة في الاقتصاد السياسي ومأزق الأجندة الوطنية والتحررية في حبال الشراكة بين المنظمات غير الحكومية الدولية (INGOs) وشريكاتها المحلية.
 
[اقتباس مطوّل – مع تدخلات طفيفة – من سلسلة مقالات]
——–
….ثم نأتي للدور الخطير الذي لعبته منظمات المجتمع المدني الدولية NGOs ودورها الإمبريالي في صنع طبقة من الكمبرادورات الموالين طواعيةً لقوى الإمبريالية ضد وطنهم. في أي مجتمع يوجد ما أسميه بالأجيال الفاعلة Potential Generations، وهي الأجيال التي عادةً ما يقع عليها مناط التغيير.
More

في مناسبة ذكرى تأسيسها الـ120: جامعة (حداثة) الخرطوم

ننظر لجامعة الخرطوم (وكلية غردون) باعتبارها المؤسسة التعليمية الكبرى في السودان الاستعماري وما بعد الاستعماري، فهي المؤسسة التي مرّ عبرها عدد كبير من الأفندية المحليين (أو البرجوازية الصغيرة) – ومعلوم ان أغراض الاستعمار من تأسيس مثل هذه الصروح التعليمية كان تهيئة فئة أفندية تعين الحاكم المستعمر في شؤون إدارة دولة الاستعمار وترساناتها، لكن الأمور لم تمض بالتحديد كما شاء لها المستعمر، كما أوضح والتر رودني في كتابه “كيف قوّضت أوروبا نماء افريقيا” (1972) الذي كتبه ونشره بينما كان أستاذا في جامعة دار السلام –  ثم إن هؤلاء الافندية خرج منهم أناس خدموا البلد خدمات جليلة وحاولوا ما بوسعهم ان يرتقوا بأرضهم وشعبهم، وخرج منهم كذلك أناس أضرّوا بمسيرة البلد ضررا كبيرا.More