بين الأنساق الكبرى والتفاصيل

النظر للأنساق الكبرى (الصورة الكبيرة) يحجب التفاصيل.
والنظر للتفاصيل يحجب الأنساق الكبرى (والتفاصيل التي في العوامل الأخرى).

ولكل “منظور” أهميته، فعلى سبيل المثال، كما قال نسيم طالب، إن النظر لتفاصيل ألوان عيون الناس وانت تقطع في الطريق سيذهلك عن الانتباه للشاحنة الهادرة نحوك؛ وفي الجانب الآخر من السهل جدا الانشغال بالتفاصيل في مسألة ما عن الصورة الكبيرة (وهذه يكاد يكون معظم الباحثين في العلوم والدراسات الانحصارية، في العصر الحديث، متورطين فيها).… More

من التخصص نحو التكامل

في حياتنا المعاصرة، الجامعة، كبشر، (هذه الحقبة التاريخية، وهذا الكوكب)، هناك مجالان يحكمان نظم واقعنا المحسوس:
– التكنولوجيا، وهي قاطرة حياتنا المعاصرة
– والاقتصاد، وهو لغة السلطة في حياتنا المعاصرة
[وحين نقول التكنولوجيا فنحن نضم  لها العلوم الضاخة لها، أي “التكنوعلوم”، وحين نقول الاقتصاد فنحن نضم له محركات القرار الاقتصادي، أي “الاقتصاد السياسي”]

ونحن في مأزق حقيقي الآن. نحن بحاجة لأن نقوم بإحداث تحولات عميقة وواسعة في نظمنا الاجتماعية والإيكولوجية (بما يشمل التكنولوجيا والاقتصاد، كأولوية)، فقط لكي نتجنب كوارث قريبة ستعصف بحياتنا أجمعين.More

موجة الفاشية وعصر الشياطين: الانتخابات الامريكية

ما جرى في انتخابات الولايات المتحدة 2024 جزء من موجة عالمية، يمكن القول إنها بدأت في منتصف العقد الماضي، وهي حالة وصفناها بأنها عودة للفاشية في المشهد العالمي، بسبب فشل قوى الرأسمالية (اللبرالية والنيولبرالية) مجددا في تحقيق مزاعمها الواسعة، وانكشاف نفاقها وازدواج معاييرها، وانهيار موازناتها العولمية المستحيلة. 

في 24 يونيو 2016 كتبنا: ‘الفاشية بدأت في العودة من جديد منذ فترة، ليس في بريطانيا وأوروبا فقط وإنما في جميع بلدان الكوكب ذات الاقتصاد الصناعي المتقدم.… More

براءة الاختراع وبراءة التاريخ

ورقة علمية، تخصصية، في التاريخ والتكنولوجيا (وفلسفة العلوم)، نُشِرت مؤخرا (يونيو 2023)، وأحدثت ضجة نادرة في عالم الأوراق العلمية في هذا المجال (وهو مجال لا يحظى عادة بالكثير من الاهتمام والمتابعة خارج دوائرة الأكاديمية والمهتمة المحدودة). خلاصة الورقة، التي قدمتها الباحثة جيني بولسترود، أن إحدى براءات الاختراع المسجلة تاريخيا، من القرن الثامن عشر، والمهمة في تاريخ تطور الثورة الصناعية بأوروبا، تعود أصولها الموثقة ليس إلى الشخص الانكليزي الذي قام بتسجيلها لصالحه (واسمه هنري كورت، وهو صاحب أعمال ونواقل وأعمال تعدين) وإنما تعود إلى ما شاهده و”استقاه” من المهارة والخبرة المستقّلة في العِدانة metallurgy لعمّال الحديد السود في جامايكا (حيث مارس كورت بعض أعماله)، الذين كان جملتهم من المسترقين من غرب ووسط افريقيا، حيث تشير المؤشرات الآن إلى أن تلك العملية “الاختراع” في التعدين تُنسب في الأصل إلى هنالك [وصلة الورقة، وملخص لها، في آخر هذه المقالة].   More

بين المثقف العام والمؤثر

عدد بسيط من الشباب – ذكورا وإناثا – الذين أتابع كتاباتهم وأقوالهم ومداخلاتهم في منصة فيسبوك ومجمل “منصات التواصل الاجتماعي” أو السوشلميديا (كمكان حصري لكتاباتهم ومداخلاتهم)، أعتبر تفكيرهم مرتّبا ولغتهم سلسة في التعبير عن المسائل التي فيها تعقيد؛ وعندهم أدوات المفكّر فعلا. هؤلاء من الذين أنتظر منهم أن يكتبوا كتابة مرتبة أو عروضا مرتّبة يوما ما – أوراق، كتب، مقالات/تدوينات، محاضرات مرتّبة في موضوعها، لقاءات أو وثائقيات، الخ – بمعنى توقي لأن أراهم يقدمون أفكارهم وخلاصة اطلاعهم بصورة أقرب لتوثيق وتأطير المعرفة وأبعد من الشفاهة العابرة أو محتوى السوشلميديا فحسب.… More

معنى السياسة

السياسة لغةً تعني تدبير وتصريف أمور الناس، وذلك وفق رعاية مصالحهم. أمّا ممارسةً فهي في واقعنا المعاصر يُفهَم أنها تشير إلى ممارسات ممنهجة واستراتيجية وفق قيم وأهداف، ووفق موازنات لمطامح وقوى متداخلة وذات مشروعية، على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية. وفق ذلك فأن يسوس المرء أمور الناس تعني أن يدبّرها ويصرّفها وفق منهجية ووفق رؤية تضع مصالحهم نصب العين؛ فالبداية تكون في التعاطف مع أولئك الناس والانحياز لهم، كمنطلق للسياسة، ثم تأتي الممارسة المنهجية والاستراتيجية لتحقق قيمة ذلك التعاطف والانحياز.More

الحداثة المفتوحة كوسيلة للتقدم

كلما اقتربتُ أكثر من دوائر الجدل الكبير الجاري بين ناس ‘الحداثة’ وناس ‘ما بعد الحداثة’، في مجتمعاتنا في الجنوب، تقلقني بديهة أن مجتمعاتنا تلك لا تملك مفاتيح أي منهما، ولا تملك شروط ‘التحديث’ التي تهيء لنا أن نتعامل مع أسئلة هذا الجدل إلا كظلال للشمال–وأنا متأكد أن هذه البديهة تشغل الكثيرين من المنخرطين في هذا الجدل، لكن ربما نحتاج للمزيد من الاشتغال بها حتى نبتكر طرقا مختلفة للتفكير في جملة هذا الأمر.… More

ما زالت هنالك بركة: زاوية أخرى للأوساط المهنية

الأوساط البحثية والأكاديمية (مثل غيرها من الأوساط المهنية الكلاسيكية)فيها الكثير من التقاليد البالية، التي تحتاج لمراجعات؛ وفيها أيضا تقاليد محترمة وإيجابية، ومُجزية، وينبغي الاستزادة منها. 

من تلك التقاليد أن عددا مقدّرا من الباحثين ذوي الخبرة (نسبيا)، سواء في متوسط مشوارهم المهني أو في مراحل متقدمة منه، يستثمرون جزءا مقدّرا من وقتهم وجهدهم في دعم الباحثين الواعدين، أو الباحثين في بداية طريقهم. ورغم أن السياق قد يكون أحيانا مبنيّا على فوائد مباشرة متبادلة، لكنه في حالات ومناسبات متعددة يمكن أن يكون بدون تلك الفوائد المباشرة (لكن بالطبع له فوائد أخرى، سنذكرها بعد قليل).More