تفيد دروس التاريخ، في ما يتعلق بالحروب الكبيرة، أن التفكير الجاد في ما بعد الحرب، أثناء الحرب، بتدقيق وبُعد نظر، وبذل تصوّرات يمكن الالتفاف القوي حولها، جزء من إنهاء تلك الحروب نهايات حقيقية. فالحروب الكبرى انفجارات تأتي جراء تراكمات، وتلك التراكمات لا تذهب بمجرد أن تضع الحرب أوزارها إنما ينبغي أن تعالج في مكامنها، وإلا انفجرت مرات أخرى وربما بأبشع مما قبل. على سبيل المثال، ما سُمّى بالحرب العالمية الأولى، كانت ضخمة ومهولة وغير مسبوقة، بمعايير التاريخ وقتها، ورغم فظائعها وخساراتها المهولة، تم إنهاؤها على أي حال؛ ثم سرعان ما اتضح بعد وقت وجيز أنها كانت ‘بروفة’ وجذوة لحرب أكبر منها وأطول منها – ما سمي بالحرب العالمية الثانية – بخسائر أضعاف في الأرواح وفظائع أوسع وأكثر إيلاما، ومعها فترة طويلة من الانهيارات المتلاحقة والحروب المشتقة؛ ذلك لأن عوامل الحرب الأولى لم تُعالَج، بل أنهُيَت فقط بكفكفة أطرافها….… More
حوكمة
سلسلة “كيف يحكم السودان؟”
منذ فترة، وعبر تواصل مع عدد مقدّر من الشباب (وغير الشباب) والأجسام الفاعلين في الحراك الثوري والعمل الاستراتيجي نحو التغيير، تولّدت فكرة بلورة لقضايا حوكمة محورية في السودان حاليا. بعض تلك القضايا (أو معظمها) تعرّضنا لها في مساهمات سابقة، عبر قنوات متباينة، لكن ظهر أن هنالك فائدة مرجّوة من إعادة بلورتها وصياغتها في قطع تدوينية أشبه بالكبسولات، لتسهيل تحريك النقاش العام عبر أوسع سبيل متاح الآن: شبكة الانترنت (ومنصاتها). … More
الدولة ومظالم التنمية، والحرب في السودان
لقاء على شبكة عاين الإعلامية، تم تسجيله في منتصف أبريل 2024، في سياق مرور عام على اشتعال حرب أبريل 2023 في السودان. في الحلقة الأولى تناولنا مسألة أن كيفية إيقاف الحرب لا تقل أهمية عن إيقافها، وفي الحلقة الثانية (أدناه)، تناولنا مسألة: هل نحتاج للدولة العصرية؟، وفي الحلقة الثالثة: ما هي مناطق قوة القوى السياسية المدنية في الظروف الحالية، وكيف يمكن استثمارها.
من نقاشاتنا المتراكمة، والمهمة، مؤخرا، يتضح أننا بحاجة للنقاش حول ظاهرة مؤسسات/نظم الدولة العصرية أكثر.… More
حوكمة التنمية: قضايا وأطروحات
بيان وبشرى
استلهاما لأجواء وروح التغيير في السودان، وبما أننا جزء لا يتجزّأ من حراك معرفي وثقافي يسعى لإحداث تغيّرات إيجابية ملموسة في المناخ السوداني، بعد ثلاثين سنة من الظروف غير المساعدة التي لم نتوقّف فيها عن المحاولة الجادة وتحقيق بعض الانتصارات لصالح الحراك هنا وهناك؛ فقد قرّرنا أن نكون ضمن أوائل من يخوضون تجربة نشر جديدة في السودان، اخترناها بوعي، ونأمل أن تثمر لصالح الحراك كله.… More
كيف تبرر المؤسسات وجودها؟
كيف تبرر المؤسسات وجودها؟
(التفكير كوكبيا والممارسة محليّا)
(1)
من سنن التاريخ الاجتماعي البشري أن أي مؤسسة مجتمع يتم بناؤها، لوظيفة ما، أو أي فكرة ذات قدرات تحريك جماعي عالي، إذا برزت وصارت ذات وزن، سوف تصبح ميدانا من ميادين صراع السلطة في المجتمع. بالنسبة للمؤسسة فإن الفئات صاحبة السلطة، في السياق التاريخي، ستسعى للسيطرة عليها لتؤدي وظيفتها وفق مسارات الحفاظ على تلك السلطة وتأكيدها.… More
مفوضية التنمية المستدامة: أولوية
منذ العام 2019، ظللنا جزءا من الدعوة المستمرة لإنشاء مفوضية للتنمية المستدامة، تكون الرائد والضامن لالتزام هياكل الفترة الانتقالية برؤية وأعمال تنموية ذات ضرورة لنجاح عملية الانتقال ولنجاح مشروع بناء دولة عصرية وديمقراطية في السودان. وبعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 والعودة للحديث عن فرص التجربة الانتقالية القادمة، استعدنا ذلك الموضوع ودفعنا به بصورة متكررة، في هيئة مقالات، وتسجيلات فيديو، وأوراق ندوات [قائمة مرفقة]، بالإضافة لمرافعات أمام لجان المقاومة وأمام مبادرات شعبية ثورية كيما تقوم بتضمين مفوضية التنمية في تصوراتها للانتقال.… More
القرار الاقتصادي ليس اقتصاديا
تناولَت كتابات سابقة أن قادة النقلات التنموية والاقتصادية الكبيرة التي حصلت مؤخرا، في بعض بلدان العالم (أي البلدان التي انتقلت من قوائم الدول النامية والأدنى أجرا إلى قوائم الدول الصناعية والأجور العالية)، لم يكن معظمهم اقتصاديين مهنيين، أي أن دارسي الاقتصاد لم يكونوا هم الفئة الظاهرة والسائدة في دوائر القرار وفي مفاصل الخدمة المدنية. في كتاباته، يحب ها-جون شانق، خبير الاقتصاد التنموي المعروف وأستاذ الاقتصاد في جامعة كيمبردج، أن يشير إلى هذه النقطة [1، 2]؛ ففي آسيا مثلا كان معظم من قادوا العملية التنموية واشتغلوا في مفاصل الدولة، مهندسين (كما في الصين وفي تايوان) كما كانوا قانونيين (كما في سنغافورة وفي كوريا)، أي أصحاب تدريب مهني/أكاديمي في الهندسة وفي القانون.… More
الدولة العصرية والسودان: ‘لا بريدك ولا بحمل بلاك’
الذين عاشوا ويعيشون في السودان، في العصر الحالي، يجلسون في المقعد الأمامي في مشاهدة سيناريو فشل الدولة وانهيارها، كأحد السيناريوهات الواردة مع حالة أي دولة في هذا العصر–أي أن استقرار الدولة واستيفائها للحد الأدنى من شروط الكفاءة ليس أمرا مضمونا لأي دولة، فأي دولة مهددة بالانهيار في فترة وجيزة إذا عجزت عناصرها عن الاستمرار، لأي سبب من الأسباب؛ وهذا إجمالا وضع أي بناء حضاري بناه البشر في تاريخهم المكتوب، فأي حضارة دامت لفترة، طالت أم قصُرت، مرت بامتحانات ومحكّات، فإما تجاوزتها وإما فشلت ثم انهارت (وعادة بسرعة أكبر من الوقت الذي احتاجته لكي تبني نفسها وتصل لقمة سطوتها)؛ وفي النهاية، لا يوفّر لنا التاريخ أي نموذج لأي بناء حضاري استمر بدون أن ينهار يوما ما.… More