بين التجريد والتجسيد برزخ

بين التجريد والتجسيد برزخ، أو سديم تداخل.
قد يستبعده الفلاسفة في سبحات التجريد، وقد يتجنّبه الممارسون في ميادين التجسيد.

هنالك حيث تكون النُظُم، ويكون بناؤها؛ ويكون البراكسِس.
تُبذَرُ بذرةٌ هنالك، لتتمدد جذورها في فضاء الفلسفة وتتذلّل قطوفها في فضاء العمل.

يشوّقني ويساورني التجريد، ويشدّ همّتي التجسيد.
فأجد مكاني السلس في البرزخ، بينَ بينْ،
وحينـًا أسيح هناك وحينـًا آخذ معولي هناك.

هذا الوسط، عروةٌ وورطة.… More

بين الأنساق الكبرى والتفاصيل

النظر للأنساق الكبرى (الصورة الكبيرة) يحجب التفاصيل.
والنظر للتفاصيل يحجب الأنساق الكبرى (والتفاصيل التي في العوامل الأخرى).

ولكل “منظور” أهميته، فعلى سبيل المثال، كما قال نسيم طالب، إن النظر لتفاصيل ألوان عيون الناس وانت تقطع في الطريق سيذهلك عن الانتباه للشاحنة الهادرة نحوك؛ وفي الجانب الآخر من السهل جدا الانشغال بالتفاصيل في مسألة ما عن الصورة الكبيرة (وهذه يكاد يكون معظم الباحثين في العلوم والدراسات الانحصارية، في العصر الحديث، متورطين فيها).… More

الابستمولوجيا الاجتماعية للعلوم…. ماذا؟

في بدايات عصر ظهور المناهج العلمية الحديثة (أي ظهور تطبيقاتها وظهور الكتابة عنها بصورة قصدية ومرتبة)، منذ جاليليو وإلى ديكارت، ثم إلى نيوتن وليبينز، إلخ، كان العالِم عادة ما يكون فردا، لديه ضمانات وموارد اقتصادية كافية ووقت كافي ليوظف وقته للبحث العلمي (التجريب والتنظير)، في معمله ومساحته الخاصة (مثل مكتبته الكبيرة الخاصة). وهذا أيضا كان الحال، لدرجة من الدرجات، منذ أيام الخوارزمي وابن سينا وجابر ابن حيّان، وآخرون من حضارات وأرجاء متعددة. More

الخيال العلمي، وهموم البشرية

لعل أُفنون الخيال العلمي (science fiction) أكثر أفنون مهموم بمستقبل البشرية وبحاضرها، وذلك ليس على مستوى التكنولوجيا والعلوم فحسب – كما يتصوّر الذين ينظرون للأفنون من البُعد – بل على مستوى تنظيم المجتمعات وتشكّل القيم والمؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كذلك، بل أكثر من ذلك: على مستوى تعرّف الكائن البشري على نفسه أكثر، داخليّا، إما عن طريق اختبار نفسه وتمحيصها مع الزمن أكثر أو عن طريق اختلاطه بأشكال حياة متعددة في الكون الفسيح بحيث تكون مرآة له ولخواصه، بحيث تتمدد عنده مساحات “الإنسانية” وتتجاوز خصائص “البشرية”.More

مثقفو القضايا الخاسرة

حفّزني لهذا المكتوب أمران، أحدهما تعليق من عماد الدين عيدروس، كتبه مؤخرا في صفحته في فيسبوك، حيث قال، “حفظ الفلسفات لا يجعلك يساري فالشرط الانساني المسبق هو الحساسية ضد الاستغلال والقهر والوقوف مع المضطهدْ زي ما حفظ الأحاديث والقرآن لا يجعلك مؤمنا عند الصوفي، فالشرط المحبة. والماعندو محبة ما عندو الحبة”؛ وثانيهما عبارة كتبتهما كذلك قبل فترة بسيطة في نفس الاتجاه، في فيسبوك، قلت فيها، “من المشاكل والتعقيدات، دلائل غياب توطّن المفاهيم بتاعة الديمقراطية والمؤسسية، وغيابها حتى عند جمعٍ من أصحاب الأقلام والأعلام (بما يشير لمسألة قيلت كثيرا في كتابات التاريخ والفلسفة: الفهم والاستيعاب عملية معقدة لا تأتي من الاطّلاع وحده ولا تأتي من الممارسة وحدها، بل وحتى المزيج بينهما قد لا يكون كافيا حسب الملابسات والاعتبارات الذاتية والموضوعية).”.… More

فرز الكيمان: في كتاب “حلّاج السودان”

في الفترة الأخيرة، زاد حضور المدرسة الجمهورية (أو الفكرة الجمهورية) في المجال العام العام بصورة واسعة، لعدة ملابسات. في المضمار العام صارت أقلام متنوعة تكتب عنها، تجادلها أو تبني عليها، وتنوّعت مصادر تلك الأقلام، فشملت بلدان عديدة، ناطقة بالعربية وغير ناطقة بها، ذات أغلبية مسلمة وغير ذلك. وفي المضمار الأكاديمي توالت الدراسات المتنوعة حولها وفيها، وبنفس التنوّع المذكور. وتلاميذ تلك المدرسة أيضا زاد نشاطهم مؤخرا وصاروا يخرجون المؤلفات المتنوعة، المستقية منها والبانية عليها.… More

وأجِرني من أوهام السوشَلْميديا

(بعض ظلامات “ثورة الاتصالات”)

طرائق تفكير الناس تتنوع، لكنها بصورة عامة تتأثر بمناخاتهم النفسية في الظروف الزمنية. وذلك ينطبق بصورة شبه متساوية على ذوي الحظوة النسبية من التعليم والخبرة وعلى من هم أقل حظوة، وعبر أي تصانيف أخرى (العمر، النوع الاجتماعي، اللغة، إلخ).

حين يبدأ امرئ بالتفكير باتجاه معيّن، بدوافع، أو وقود داخلي، أصلها تجربة ذاتية غذّت منظورا معيّنا للأشياء وللأحياء من حوله، فإنه يصبح في حركته مثل القطار، يستجمع سرعته تدريجيا ثم ينطلق، وحين ينطلق في ذلك الاتجاه لا يمكن إيقافه بصورة مفاجئة، بل حتى لو بدأ الوقود ينفذ، أو حصلت إعادة لحساب الوجهة المطلوبة، فأي تغيير في مسار القطار وسرعته سيحدث غالبا بصورة تدريجية كذلك — إلا في حالات نادرة، قد يحصل فيها توقّف فجائي، وغالبا ما تكون لأسباب مفاجئة أو طارئة جدا — وفي تلك الأثناء فمن يرى القطار سيرى أنه ما زال يمضي في نفس مساره وبدون أن يبدو عليه تغيّر في الدوافع أو الأهداف، أما “القطار” فوحده يدرك أنه بصدد تحوّلات مقدّرة وهذه فقط بدايتها.… More