بين الأنساق الكبرى والتفاصيل

النظر للأنساق الكبرى (الصورة الكبيرة) يحجب التفاصيل.
والنظر للتفاصيل يحجب الأنساق الكبرى (والتفاصيل التي في العوامل الأخرى).

ولكل “منظور” أهميته، فعلى سبيل المثال، كما قال نسيم طالب، إن النظر لتفاصيل ألوان عيون الناس وانت تقطع في الطريق سيذهلك عن الانتباه للشاحنة الهادرة نحوك؛ وفي الجانب الآخر من السهل جدا الانشغال بالتفاصيل في مسألة ما عن الصورة الكبيرة (وهذه يكاد يكون معظم الباحثين في العلوم والدراسات الانحصارية، في العصر الحديث، متورطين فيها).… More

القرار الاقتصادي ليس اقتصاديا 

تناولَت كتابات سابقة أن قادة النقلات التنموية والاقتصادية الكبيرة التي حصلت مؤخرا، في بعض بلدان العالم (أي البلدان التي انتقلت من قوائم الدول النامية والأدنى أجرا إلى قوائم الدول الصناعية والأجور العالية)، لم يكن معظمهم اقتصاديين مهنيين، أي أن دارسي الاقتصاد لم يكونوا هم الفئة الظاهرة والسائدة في دوائر القرار وفي مفاصل الخدمة المدنية. في كتاباته، يحب ها-جون شانق، خبير الاقتصاد التنموي المعروف وأستاذ الاقتصاد في جامعة كيمبردج، أن يشير إلى هذه النقطة [1، 2]؛ ففي آسيا مثلا كان معظم من قادوا العملية التنموية واشتغلوا في مفاصل الدولة، مهندسين (كما في الصين وفي تايوان) كما كانوا قانونيين (كما في سنغافورة وفي كوريا)، أي أصحاب تدريب مهني/أكاديمي في الهندسة وفي القانون.… More

أبناء الثقافة الثالثة، والوطنية

نحن أبناء الثقافة الثالثة* من الأيسر علينا أن نكون منفتحين على العالم [لكن ذلك لا يعني أن جميعنا كذلك، أو أن غيرنا بالضرورة ليس كذلك]. لقد ترعرعنا ونحن نتعرّض لسرديات وممارسات ثقافية متعددة المصادر، سواء أكان في ما نرى وما نسمع في واقعنا، أو ما نقرأ من كتابات وما نستهلك من فنون (موسيقى وفولكلور وغيرها) وما نشاهد من صوتمرئيات، وسواء أكان في تنوّع الخلفيات الثقافية لمن هم في دائرة أصدقائنا المقربين (خاصة أصدقاء طفولتنا) وجيراننا وزملائنا، أو في تنوّع اللغات التي ترعرعنا وفقها وصرنا نفكّر بها (على تفاوت بيننا في ذلك وحسب تجاربنا الجغرافية).More

حول تصدّع القديم وتعثّر الجديد: السرديات العائدة للوراء

حقبة سيادة الكنيسة في أوروبا كانت فيها معالم تُعتِبر إيجابية، فقد ازدهرت في تلك الحقبة مهارات ومعارف المعمار، والفنون التشكيلية كالرسم والنحت، وتطورت معارف الزراعة وهندساتها وكذلك الري، وقد شجّعت الكنيسة تحصيل المعارف التاريخية والطبيعية والكتابة والانضباط في التوثيق والحفاظ على الوثائق، كما طوّرت نظم لوجستية للنقل والمواصلات والمراسلات، واهتمت كذلك بصناعات الحديد وبتطوير النجارة، إلخ. واستمر عهد الإقطاع تحت السيادة الملكية في كل أولئك بجانب التوسع أكثر في التعليم وفي توفير منح للمتفرغين للدراسات النظرية وقواعد الإدارة والفنون بأنواعها، وفي تلك الفترة حصلت بعض التطورات الطبية والفلسفية والصناعية والتجارية والزراعية، إلخ.… More

فرز الكيمان: في كتاب “حلّاج السودان”

في الفترة الأخيرة، زاد حضور المدرسة الجمهورية (أو الفكرة الجمهورية) في المجال العام العام بصورة واسعة، لعدة ملابسات. في المضمار العام صارت أقلام متنوعة تكتب عنها، تجادلها أو تبني عليها، وتنوّعت مصادر تلك الأقلام، فشملت بلدان عديدة، ناطقة بالعربية وغير ناطقة بها، ذات أغلبية مسلمة وغير ذلك. وفي المضمار الأكاديمي توالت الدراسات المتنوعة حولها وفيها، وبنفس التنوّع المذكور. وتلاميذ تلك المدرسة أيضا زاد نشاطهم مؤخرا وصاروا يخرجون المؤلفات المتنوعة، المستقية منها والبانية عليها.… More

حول صراع الهامش والمركز في السودان: مقاربة موجزة

(مشاركة موجزة، ضمن نقاش جرى على صفحات فيسبوك، في منتصف 2018)

الدراسات والخلاصات الفكرية حول فهم العنصرية، في عصرنا الحديث، صارت عموما متوافقة على قضايا عامة، يمكن تلخيصها في الآتي:

أولا: العنصرية مطية سلطوية، أي أنها تعبّر عن نفسها بالأصالة عن طريق السلطة ومؤسسات السلطة، وأحيانا بالحوالة فقط عن طريق العلاقات الاجتماعية القحة. بطبيعة الحال هنالك حالات من تنافر بعض الفئات وفق خلفياتهم الإثنية، أو الزعل التاريخي، لكن هذه لا ترقى لمرحلة العنصرية إلا حين تكون هنالك ممارسة واضحة للتسلط والقهر من فئات على فئات أخرى.… More

وأجِرني من أوهام السوشَلْميديا

(بعض ظلامات “ثورة الاتصالات”)

طرائق تفكير الناس تتنوع، لكنها بصورة عامة تتأثر بمناخاتهم النفسية في الظروف الزمنية. وذلك ينطبق بصورة شبه متساوية على ذوي الحظوة النسبية من التعليم والخبرة وعلى من هم أقل حظوة، وعبر أي تصانيف أخرى (العمر، النوع الاجتماعي، اللغة، إلخ).

حين يبدأ امرئ بالتفكير باتجاه معيّن، بدوافع، أو وقود داخلي، أصلها تجربة ذاتية غذّت منظورا معيّنا للأشياء وللأحياء من حوله، فإنه يصبح في حركته مثل القطار، يستجمع سرعته تدريجيا ثم ينطلق، وحين ينطلق في ذلك الاتجاه لا يمكن إيقافه بصورة مفاجئة، بل حتى لو بدأ الوقود ينفذ، أو حصلت إعادة لحساب الوجهة المطلوبة، فأي تغيير في مسار القطار وسرعته سيحدث غالبا بصورة تدريجية كذلك — إلا في حالات نادرة، قد يحصل فيها توقّف فجائي، وغالبا ما تكون لأسباب مفاجئة أو طارئة جدا — وفي تلك الأثناء فمن يرى القطار سيرى أنه ما زال يمضي في نفس مساره وبدون أن يبدو عليه تغيّر في الدوافع أو الأهداف، أما “القطار” فوحده يدرك أنه بصدد تحوّلات مقدّرة وهذه فقط بدايتها.… More

ستارتريك: ذروة الخيال العلمي

نقدّم هنا نبذة مختصرة عن عالم “ستارتريك” (Star Trek) – العنوان الذي يمكن ترجمته إلى “رحلة النجوم” – وسمّيناه بالعالم لأنه أحد أقدم وأوسع سلاسل عروض الخيال العلمي، إذ يمتد منذ ستينات القرن الماضي وحتى اليوم، ويشمل مسلسلات وأفلام وروايات وألعاب فيديو، وموسوعة تصاميم (فنيّة/جمالية وهندسية)، إلخ. ولعالم ستارتريك شعبية قوية واحترام كبير في الأوساط النيردية (سنرى أدناه لماذا).

تجري أحداث عالم ستارتريك عموما في مستقبل البشر ما بعد الحرب العالمية الثالثة وقرابة دمار جميع الحضارة البشرية، ثم ما جرى بعد ذلك من محاولات لامركزية في تطويرات تكنولوجية بمجهودات غير جماعية أدت إلى أن يخترع أول بشري مركبة فضائية بقدرة محدودة على السفر أسرع من الضوء.… More