بين صفوة التعليم الاستعماري وتصفية الاستعمار

عبر مراجعة عامة وسريعة لحركات التحرر الوطني، وحركات مناهضة الاستعمار، في القرن العشرين بالذات (مع وجود حالات من القرن التاسع عشر وحالات متنامية من القرن الحادي والعشرين)، سنجد أن معظم روّاد وقيادات تلك الحركات – القيادات التنظيمية والميدانية والفكرية، وكذلك الكوادر الاستراتيجية – هم من أهل المستعمرات الذين تلقّوا تعليما وتدريبا غربيّا (أي تعليما استعماريا)، سواء أكان ذلك عن طريق الحصول على فرصة للسفر خارج بلدانهم للدراسة في عواصم الاستعمار (في أوروبا وأمريكا الشمالية) أو عن طريق الدراسة في بلدانهم في منشآت تعليم استعماري عالي كان هدفها الأساسي – أي هدف تلك المنشآت التعليمية الاستعمارية – إنتاج “أفندية” يعينون الطاقم الاستعماري، الإداري والفني، على أشغالهم بصورة أفضل.
More

تعقيب: حول تأهيل منظومة البحوث والابتكار

كتب الأستاذ الدكتور نمر عثمان بشير مقالا قديرا، في الرد على الأطروحة التي قدمناها مؤخرا بعنوان “تأهيل منظومة البحوث والابتكار بالسودان: مجلس وطني للبحوث”، والبروف نمر ذو باع أكاديمي وإداري أعطاه من التجربة والخبرة ما يجعله يهتم بمثل هذه الأطروحة ويتفاعل معها، إيجابا أو نقدا، ولذلك حرصنا على توفير عرض الأطروحة له ليطّلع عليها ونستأنس برأيه. ولم يخيّب ظننا فله الشكر على الكتابة في هذا الموضوع، بصورة موضوعية ومحترمة وواضحة، لأنه بهذا إنما يدعم الاتجاه الذي نريده تماما: وهو فتح الباب للنقاش وتقليب جملة السيناريوهات والخيارات، لنرى ما لها وما عليها، ولنوثّق لعملية التفكير هذه ونسجّلها كنموذج للتفاكر في قضايا السياسات المسنودة على البراهين؛ وباعتبار القضية في أصلها قضية عامة وتخص المؤسسات العامة فإن نقاشها العلني من الصواب ومن الخير.*… More

في يوم المعلم: شكرا نونيتا ياب

في يوم المعلم (5 أكتوبر)، أرسل سامي التحايا وفروض الاحترام إلى نونيتا ياب (Nonita Yap)، حيثما كانت وكيفما كانت.
——–

في كتابي الانكليزي (Liberation and Technology, 2018) وجّهتُ صوت شكر لثلاثة أشخاص فقط في حياتي الأكاديمية: جون ديفلن، ونونيتا ياب، وقيل كرانسبيرق. ذلك لكونهم أكثر ثلاثة أرشدوني في حياتي الأكاديمية نحو توسعة معارفي وتطوير حرفة الدراسة (scholarship) عندي.

في أكتوبر ٢٠١٨، بلغني أن نونيتا ماتت، قبل بضعة أشهر، جراء سكتة.… More

الضرائب والضرائب

من الأشياء المثيرة للاهتمام، في المعمعة الكوكبية في السنوات الأخيرة، أن هنالك أطروحات اقتصادية سياسية صارت تجد توافقا كبيرا، ومؤسسا وموضوعيا، بين الاشتراكيين والرأسماليين معا.

إحدى أكبر تلك الأطروحات، والتي نجد حاليا الكثير من الاقتصاديين وصانعي السياسات والدارسين (scholars) يؤيدونها ويدفعون بها كأجندة أساسية في المجال العام، سواء أكانوا رأسماليين أو اشتراكيين أو “بين بين” او “لبراليين اجتماعيين”، أطروحة رفع الضرائب التصاعدية على الأثرياء، وبالذات على رؤوس أموال الأثرياء (سواء أكانوا شخصيات حقيقية أو اعتبارية/قانونية كالشركات الكبرى)، مع تعميم هذه الأطروحة إقليميا وعالميا نظرا لترابط الاقتصاد العالمي (العولمي) بشكل غير مسبوق في التاريخ ونظرا لكثرة حركة رأس المال وقفزه من بلد لآخر – بدون أي اعتبار لعواقب ذلك القفز على اقتصاد المجتمعات – كلّما تغيّرت السياسات الاقتصادية عبر الحدود.… More

عن العدالة الترميمية (والسودان)

(مستعاد من مقالة نُشرت في 13 يونيو 2020، في الوسائط)

العدالة الترميمية = restorative justive

كمفهوم وكممارسة، ليس جديدا (بل تاريخي وسابق للعصور الحديثة)، ولا مانع من نقاشه، ففي مستوى النقاش يمكن تداول كل الاقتراحات. والمهم في عملية العدالة الترميمية هو أن الضحايا لهم دور فاعل في العملية كلها، فهي إذن لا تحصل بدون انخراط الضحايا بفعالية فيه، وبدون تحمّل الجناة مسؤوليتهم عن الجرم والاعتراف بالأضرار التي لحقت بالضحايا جراءه، ثم مناقشة كيفية تكفير الجناة عن جرائمهم بما يساعد في تعافي الضحايا وبما يضمن اضمحلال فرص تكرار للجرائم.… More

حول تصدّع القديم وتعثّر الجديد: السرديات العائدة للوراء

حقبة سيادة الكنيسة في أوروبا كانت فيها معالم تُعتِبر إيجابية، فقد ازدهرت في تلك الحقبة مهارات ومعارف المعمار، والفنون التشكيلية كالرسم والنحت، وتطورت معارف الزراعة وهندساتها وكذلك الري، وقد شجّعت الكنيسة تحصيل المعارف التاريخية والطبيعية والكتابة والانضباط في التوثيق والحفاظ على الوثائق، كما طوّرت نظم لوجستية للنقل والمواصلات والمراسلات، واهتمت كذلك بصناعات الحديد وبتطوير النجارة، إلخ. واستمر عهد الإقطاع تحت السيادة الملكية في كل أولئك بجانب التوسع أكثر في التعليم وفي توفير منح للمتفرغين للدراسات النظرية وقواعد الإدارة والفنون بأنواعها، وفي تلك الفترة حصلت بعض التطورات الطبية والفلسفية والصناعية والتجارية والزراعية، إلخ.… More

روابط الدولة والسياسة والدين: بعض المفاهيم

 

الدولة والسياسة ليستا نفس الشيء.
ولذلك فعبارة “فصل الدين عن الدولة” ليست هي نفسها “فصل الدين عن السياسة”.

الدولة هيكل ومؤسسات؛ اقصد الدولة العصرية. أما الأديان، باعتبارها نُظما إيمانية بمرجعيات غيبية وسلوكيات طوعية (وهذا تعريف ناقص) فليست نماذج دولة عصرية، بطبيعة الحال، لكن بطبيعة الحال أيضا هنالك تداخلات في المجالات بينهما ويعزى ذلك عموما لاشتراكهما في دائرة أخرى مهمة جدا وواسعة جدا: المجتمع.… More

حول العلاقة الثلاثية: الدين والدولة والسياسة

[بلغة الكلام في السودان]

ما بننكر انه المسألة – مسألة العلاقة الثلاثية، بين الدين والدولة والسياسة، في العصر الحديث – فيها جوانب معقدة، والإجابات فيها موش جاهزة خالص، ولا بالضرورة بديهية؛ لكن في موجّهات تفكير مفروض تكون راسخة في أرضها، بحكم التاريخ والإطار العام لتطورات الأوضاع الحاكمة زمننا.

بمجرد ما بنتكلم عن ‘دولة عصرية’ (اي تستوفي النموذج المعاصر للدولة حسب المفاهيم والعقود المتواضع عليها عالميا) فده بيعني انها دولة مواطنة جغرافية-سياسية (جيوسياسية) بالمعنى الصريح، يعني حدودها وصلاحياتها وقوانينها بتتشكل عبر قرارات مواطنيها وتفاعلاتهم في الرقعة الجغرافية ذات السيادة، مع استيفاء شروط تاريخية متعارف عليها في الواقع الدولي، الأمر الذي يجعلها دولة غير لاهوتية وأيضا غير عشائرية، وغير ذات حكم مطلق على الرعايا، بالضرورة؛ وده بيختلف اختلاف جوهري عن معظم نماذج “الدول” أو الممالك التي توفرت في التاريخ القديم.… More